رئيس التحرير
عصام كامل

إليسا «صارت أيقونة» الفن والسياسة!


تبدي الفنانة اللبنانية "إليسا" ذكاء وجرأة وصلابة غير معتادة من الفنانين العرب، كما أنها محبة بصدق لمصر وفنانيها منذ بدايتها المبكرة، فأول إطلالة لها على التليفزيون كمتسابقة في برنامج اكتشاف المواهب الشهير "ستديو الفن" العام 1992، أدت "إن راح منك ياعين" لشادية، لإدراكها أنها لا تتمتع بصوت طربي، بل لديها إحساس طاغ وقدرة فذة على أداء أغنيات خفيفة بحاجة لإحساس عال، لذا اختارت شادية دون غيرها.


حتى عندما احترفت الغناء طغت الأعمال المصرية على غالبية إنتاجها مقارنة بنظيرتها اللبنانية، وبررت بأن الكلمة الموثرة والمضمون المبتكر أساس اختيارها الأعمال، والشعراء المصريون يوفرون لها ما تريد، فما المانع أن تغني مصري أكثر من لبناني؟

تغلبت "إليسا" على مشكلة "النشاز" في الغناء "لايف" بإحساس في الأداء واتجاه مستقل، يدعمه ذكاء اختيار موضوعات مبتكرة وتصوير جرئ أثار الجدل خصوصا في البدايات. كما لم يؤثر على نجوميتها تعاملها السيئ مع الصحافة تحديدا، لأن الجميع يقدر صراحتها واحترامها الآخرين، وعدم تطاولها على أحد رغم جرأتها.

تحولت "إليسا" من "أجمل إحساس" إلى "أيقونة فنية" مع تراكم نجاحات السنين، وصارت أكثر بساطة وقربا من الجمهور عبر "السوشيال ميديا"، لكنها حققت نجومية مختلفة تماما خلال العام 2018، حين أعلنت بشجاعة عن إصابتها بسرطان الثدي، وتلقيها العلاج بالتزامن مع عملها اليومي ورفضها الاستسلام والركون إلى الراحة، حتى أن الطبيب اعتبرها "مجنونة". 

وأنها صورت تجربة المرض الأليمة في كليب "إلى كل اللي بيحبوني"، ليس فقط للتوثيق بل للتوعية وأهمية الفحص الدوري، لأن الكشف المبكر عن المرض يسهم في الشفاء.

باتت إليسا "أيقونة إنسانية" ونالت تكريما من دول عدة، لشجاعتها في مواجهة المرض وحرصها على توعية الناس حتى لا يعانون مثلها، كما تحدثت في برامج وندوات كثيرة عن تجربتها، لتزداد تألقا واحتراما.

اتخذت إليسا "تويتر" منصة للتعبير عن مواقفها السياسية والاجتماعية، ولم تترك مناسبة أو قضية إلا أدلت برأيها الصريح والجرئ فيها، وإن هاجمها البعض لا ترد الإساءة بمثلها، بل تكتفي برد حكيم بليغ يعكس رقي وأدب جم تجاه المتطاولين عليها والمختلفين معها.

لم تشأ "إليسا" إنهاء العام 2018 بشكل تقليدي، فاختارت الإطلالة مع الإعلامي "مارسيل غانم"، في البرنامج السياسي "صار الوقت"، للتعبير بشجاعة ونضوج وجراة متناهية عن رأيها فيما تعانيه لبنان من مشكلات جمة، غير آبهة بالتداعيات على المستويين المهني والشخصي أو حتى الانتقام منها، خصوصا أن أكثر هجومها طال الرئيس اللبناني "ميشال عون" وحليفه "حزب الله".. وحين قال "مارسيل": "ما بدنا نعمل من القادة والزعماء قديسين".

ردت "إليسا": كتر خيرن القديسين انو بعدن مخلينا نتحملن"!.

وجهت "إليسا"، كلمة إلى اللبنانيين في مستهل الحلقة: "أحيي الشعب اللبناني على القرف الذي يعيشه.. فمنذ استشهاد رئيس الوزراء الأسبق "رفيق الحريري" شعرتُ أنني ملتزمة كمواطنة، لأننا خسرنا رجلًا بأهميته، جرب أن يضع لبنان على خريطة العالم فقتلوه، ولاحظنا كيف تراجع لبنان إلى الوراء.. من وقتها، شعرتُ أني يجب أن أعبّر عن رأيي".

تابعت: "في لبنان صار لدينا أكبر نسبة سرطان لماذا؟.. التلوث! النهر ملوث.. الشارع ما نقدر ننزل فيه من الزبالة.. حتى أيام الحرب ما كان فيه زبالة.. بصراحة قرفونا!.. وعدونا من 10 سنوات بالكهرباء، انظروا إلى أين وصلنا، والحكومة لم تتألف بعد، لأن الشفرة لم تأت من الخارج"!.

قست "إليسا" على الرئيس اللبناني وقالت: "يوم انتخاب العماد "ميشال عون" رئيسًا شعرت بالهزيمة، لأني كنت واعية على حرب الإلغاء، تمنيت أن يأتي دم جديد على العهد، ورغم احترامي له، لكن العهد فشل بكل تأكيد".

كما رفضت فكرة تولي وزير الخارجية وصهر الرئيس عون الرئاسة فيما بعد، قائلة: "جبران باسيل ما بتمنى شوفو رئيسًا للجمهورية، أفضّل عليه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية".

بالمقابل تعاطفت "إليسا" مع رئيس الوزراء المكلّف "سعد الحريري": "لا أحسده على ما يتعرض له من ضغوط، ولا يمكن أن أرى أحدًا بديلًا له، لكني أتمنى أن يكون خيّ السُنّة وليس بيّ السُنّة في لبنان".

وعاودت "إليسا" الهجوم على "حزب الله" حليف الرئيس عون، فيما يخص الاستشهاد على أرض غير لبنانية، قائلة: "متل ما بحترم شهداء حزب الله عليهم أن يحترموا شهداءنا.. لكنني ضد أن يموت أي لبناني خارج لبنان.. بصراحة لم أشعر أن الزمن السوري ولى بسبب الممثلين عنه من حزب الله والرئيس عون!!.. ومع هذا أؤيد علاقة مع سورية قائمة على الند للند وليس التبعية".

"إليسا" تحدثت أيضا عن مرضها وتعافيها، ولم يفوتها أن تعتذر في ختام السهرة إن كانت أساءت لأحد، موضحة أنها عبّرت عن رأيها بصراحة.

إطلالة "إليسا" السياسية تصدرت "الترند" في لبنان، الأردن، سورية، تونس والجزائر، وواكب بث الحلقة أكثر من 21 ألف تغريدة، ثم شغلت الناس والإعلام بين مؤيد ومعارض ومحب وكاره خلال الأيام التالية، لتصبح "أيقونة سياسية".. وربما من أصدق التغريدات عن الحلقة يجب على "إليسا" أن تعتزل الحوارات، لأنها أثبتت أن البدلات لا تصنع الرجال، والكرافتات لا تقوّي صنّاع الرأي، والكراسي لا تصنع المسؤولين، والكلام المعسول لا يحلّي الفساد... "إليسا" اعتزلي قبل أن يتأكّد الذكوريون والرجعيون والمتزلّمون في لبناننا أنه صار الوقت تحكي اللبنانيات".
الجريدة الرسمية