رئيس التحرير
عصام كامل

الرسول في لحد «فاطمة»


(رحمك الله يا أمي، كنت أمي بعد أمي، تجوعين وتشبعيني، وتعرين وتكسيني، وتمنعين نفسك طيبًا وتطعميني، تريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة ).. كانت ساعة الرحيل قد أزفت، فبكى الرسل الكريم على أمه التي قدرت معنى يتمه وضعفه فمنحته قوة رحيمة، قوة لا تطغى ولا تسرف إلا في الحنان والرأفة باليتيم الصغير عظيم الشأن، والذي كانت بوادر البركة والعظمة تصحبه منذ ميلاده.


لذا بكى الكريم الرسول الكريم، الوفي طيب القلب، رقيق المشاعر نقي السريرة، دائم الإخلاص، مترحما على أمه التي كفلته في بيت عمه أبي طالب، السيدة الرحيمة فاطمة بنت أسد رحمها الله رحمة واسعة، هل رأيتم إخلاصا وعرفانا بالجميل أكبر وأعظم من هذا.

سيدة تمتلىء حنانا لصغير ترعاه منذ وحدته في دنيا قاسية، يكبر الصغير ويبعثه الخالق ليكون خاتم رسله، فإذا به لا ينسى مواطن عفه عندما كان صغيرا يتميا لطيما فاقدا لأبويه، فيرد الجميل مضاعفا أضعافا كثيرة، وينفجر حانيا باكيا، وهو أشد الرجال على أمه البديلة التي لم تلده ولكنها آوته وأطعمته واتخذته ابنا مع أبنائها علي وجعفر وغيرهم.

وجاء موعد الغسل، فأمر الكريم أن تغسل ثلاث، ولم جاء أحدهم بالماء المعطر الذي خلط بالكافور، سكبه الرسول برفق على أمه ثلاثا، حتى والجسد مسجيا فاقد للحياة يترحم به الكريم، ثم خلع ردائه وكفنها فيه، ثم زادها رداء آخر حتى يتم سترها فيه في قبرها كما سبق وسترته طفلا ثم صبيا ثم شابا في دنيا فاضحة مذلة كاشفة لستر الضعفاء. أي وفاء هذا وأى إنسانية تلك التي لا تنسى نبيا رفع ذكره من قبل رب العالمين أن يقوم بهذا لزوجة عمه!

حفر أسامة بن زيد وعمر بن الخطاب وأبو أيوب الأنصاري مع الرسول لحد الفقيدة، والتي بلغ من حبه لها أن سمى ابنته فلذة كبده الزهراء على اسمها، تيمنا بها وبإنسانيتها ورحمتها.

لم يكتف الرسول بهذا بل إنه نزل إلى اللحد واضجع فيه لدقائق قبل وضعها فيه حتى يؤنس قلبها قبل النزول إليه، أي رحمة تلك! وأي عرفان بالجميل هذا!

أية عظمة وإنسانية ونبل بشري وأي عاطفة راقية تلك التي تجعل من خير البشر ينزل ليضجع على تراب في لحد مخيف، حتى يطمئن امرأة قد اختارها الله لجواره!

هذا هو رحمة الله للعالمين في موقف بسيط لم يتم ذكره كثيرا في كتب السيرة، ولم نسمعه إلا نادرا في خطب الجمعة بكل أسف، وهو كفيل بتبيان من هو محمد نبي الرحمة والذي أوصانا بالنساء الضعيفات (القوارير) وجعلهن فوق الرءوس وفي القلب، ومع ذلك نرى من يتطاول على الإسلام ونبيه، خاصة عند الحديث عن المرأة وحقوقها.. اقرأوا سيرة الحبيب محمد، وستعلمون أي جهالة أنتم فيها.

إن هذا النبي هو من تحتاجه الإنسانية كلها، وليس المسلمين فقط، ليدركوا معاني وقيم قد خبت وغابت عنهم، إنني أحزن لأن من يحملون لواء الدفاع عن النساء يجهلون، أو ربما يتجاهلون عظمة الرسول مع النساء واحترامه وتوقيره لهن ورحمته بهن أحياءً وأموات، لا يجدون حقا للنساء إلا كشف الستر عنهن بحجة التحرر، وكان الحرية هي خلع الرداء عن كل عفيفة شريفة متعففة.. لله الأمر من قبل ومن بعد!
Fotuheng@gmail.com
الجريدة الرسمية