رئيس التحرير
عصام كامل

«كسر العزلة».. اتصالات سرية لدول الخليج مع نظام الأسد. وزيارة «البشير» بداية مرحلة إزالة الجليد.. أسرار اللحظات الأخير لعودة سوريا إلى الجامعة وحضور قمة مارس

البشير والاسد
البشير والاسد

>> قطر وتركيا لعبتا الدور الأبرز في إبعادها عن الجامعة العربية.. وتغير الأوضاع في المنطقة يفسد مخططات الدوحة وأنقرة

هل تعود سوريا إلى الجامعة العربية بعد 7 سنوات عجاف، ظل مقعدها خلالها شاغرًا؟.. سؤال طرح نفسه بقوة خلال الأسبوع المنقضى، على خلفية الزيارة المفاجئة للرئيس السودانى عمر البشير لسوريا، ولقائه نظيره السورى بشار الأسد. محللون ومراقبون ودبلوماسيون يجيبون عن هذا السؤال بالإيجاب، ويؤكدون أنه حان وقت كسر عزلة النظام السورى، مشددين على أن تلك الزيارة، التي تُعد الأولى لرئيس عربى خلال 7 سنوات من القطيعة والعزلة الموحشة، يمكن أن تعطى مؤشرا إيجابيا على عودة سوريا إلى بيت العرب من الباب الواسع.


ويدللون على توقعاتهم بأن أطرافًا فاعلة في المشهد السياسي العربى والعالمى كان تعلم بالزيارة، وعملت على تأمينها، وتصديرها للعالم. ونوهوا إلى أن تلك الأطراف تراجعت أيضًا عن مطالباتها السابقة بضرورة إنهاء حكم "بشار الأسد" ورحيله، ولم يعد لديها مانع في بقائه في الحكم.. ومن ثم فإن عودة سوريا إلى العرب وإلى مقعدها الشاغر بالجامعة العربية لم تعد حلمًا بعيد المنال.

لعبت جماعة الإخوان وأذرعها في عدد من الدول العربية دورا كبيرا في إخراج سوريا من بيت العرب، خصوصا أن الدول الكبرى في المنطقة وعلى رأسها مصر كانت تعاني من فراغ سياسي، وتعيش مرحلة انتقالية كان الجميع فيها مشغولا بإعادة ترتيب البيت من الداخل، ولعبت قطر ومن ورائها تركيا الدور الأبرز في إبعاد سوريا عن محيطها العربي، حيث استغلت انشغال مصر بالمرحلة الانتقالية والتجهيز للانتخابات الرئاسية نهاية مايو ويونيو2012 التي فاز بها القيادي الإخواني محمد مرسي، ومن ثم تغير الخطاب السياسي في المنطقة، وتم تعليق مقعد سوريا في الجامعة العربية، ومنحه في مارس 2013 (فترة حكم مرسي) للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، شريطة تشكيل هيئة تنفيذية لهذا الائتلاف، ومع إنجاز مصر لخارطة الطريق، ووصول الرئيس عبد الفتاح السيسي لسدة الحكم، تغيرت واجهة المنطقة، وأصبحت القاهرة لاعبا رئيسيا في لعبة القوى داخل الشرق الأوسط.

تباعا بدأت الأصوات الرافضة لما يحاك ضد سوريا تتعالى، في ظل بقاء مقعد سوريا شاغرا في الجامعة العربية، وبدأت مطالبات من عواصم مختلفة تدعو إلى عودة سوريا إلى حضن أشقائها العرب، وتشير توقعات العديد من المراقبين إلى أن القمة العربية المقبلة التي ستستضيفها تونس مارس المقبل، ربما تشهد حضورا لوفد رسمي من الحكومة السورية.

مصدر سوري مطلع أكد أن المشهد السياسي العربي تغير الآن، وأصبح العرب يدركون حجم ما كان يخطط لهم، مشيرا إلى أن هناك ما يشبه الإجماع على عودة سوريا للجامعة العربية، وأوضح أن هناك بعض الدول من المتوقع أن تتخذ موقفا سلبيا وربما عدائيا ضد عودة دمشق إلى مكانتها الطبيعية في الجامعة العربية، لافتا إلى أن هذه الدول تخشي تراجع حضورها السياسي، بعدما ظنت لسنوات أنها الحاكم الجديد في المنطقة، وغرتها أموال النفط لتلعب دورا أكبر من حجمها.

وأشار المصدر السوري، إلى تصريحات وزير الخارجية سامح شكري، قبل نحو عامين وتحديدا في مارس 2017 عندما قال: "فكرة عودة سوريا للجامعة العربية لا بد أن تأتي آجلًا، إذا لم يكن عاجلًا؛ لأن سوريا ستظل دولة عربية، وركنًا أساسيًا في المنظومة العربية"، معتبرا أن هذا التصريح كان قويا وصريحا وواضحا من مصر الإقليم الجنوبي لصالح سوريا الإقليم الشمالي في الجمهورية العربية المتحدة.

وحول زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى السودان، قال المصدر: إنها تعتبر مؤشرا كبيرا على عودة دمشق للجامعة العربية، وكذلك التصريحات الخارجية من بعض العواصم العربية كالجزائر وعمان وتونس، وبغداد والقاهرة بالطبع كل ذلك يوحي بأن قمة تونس سوف تشهد حدثا مهما بعودة سوريا.

وفي فبراير الماضي، كشفت السياسي العراقي جاسم محمد جعفر عن مساع عربية حثيثة لإعادة عضوية سوريا في الجامعة العربية، قائلا: إن "العراق ومصر والجزائر وتونس يدعمون وبقوة عودة سوريا إلى وضعها الطبيعي وإعادة عضويتها في الجامعة العربية" مؤكدا أن "مصر هي اللاعب الأبرز كونها حليفا قويا مع روسيا، وهي من تسيطر إداريا على الجامعة العربية، ما يجعل دعمها للملف إيجابيًا جدًا".

وفي 5 ديسمبر الجاري، أكد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي خلال لقائه سامح شكري، أن القاهرة وعمان يبحثان عودة سوريا للعمل العربي المشترك، وبعد أيام من تصريحات وزير الخارجية الأردني، أصدر البرلمان العربي الذي يرأسه البرلماني السعودي الدكتور مشعل بن فهم السلمي، بيانا يطالب فيه بعودة سوريا إلى مؤسسات الجامعة العربية.

من جانبه قال المحلل السياسي نضال السبع: إن المشهد العربي يشهد تغييرات كبيرة، مضيفا أن تحالفات جديدة بدأت تتبلور في المنطقة، وهناك تقارب غير معلن بين الخليج وسوريا؟ تم ترجمته عبر زيارة سريعة ومفاجئة من الرئيس السوداني عمر البشير، إلى سوريا، وهي زيارة أربكت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقطر والتنظيم الدولي للإخوان، وأوضح السبع أن التجهيز لزيارة "البشير" بدأ بعد زيارته موسكو، في نوفمبر 2017.

ونقل الجانب الروسي الأمر للرئيس السوري بشار الأسد، برغبة زيارة البشير دمشق، وهو ما رحب به، موضحا أن الأجهزة الأمنية السودانية رصدت اتصالات بين دول الخليج ودمشق، فسبقت بخطوة وقرر البشير لقاء الأسد وتولت موسكو تأمين الزيارة، وأشار إلى أن هناك رغبة عربية وجهودا روسية كبيرة لعودة سوريا للجامعة العربية، مؤكدا أن هناك اتصالات من عدة دول، وجهودا روسية لتأمين دعوة سوريا إلى الجامعة العربية، وترتيب البيت العربي، لافتا إلى أن هناك جهودا لتأسيس ارتكاز عربي بين مصر وسوريا والسعودية، من أجل مواجهة تنظيم الإخوان الإرهابي، والتصدي لمشروع صفقة القرن، وكذلك مواجهة السياسة العدائية لأردوغان في المنطقة، وتوقع السبع مشاركة وفد سوري في قمة تونس المزمع عقدها في مارس المقبل، لافتا إلى أن هناك العديد من التصريحات التي خرجت من العواصم العربية في هذا الشأن، مشيرا إلى أن قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، والاستغلال والابتزاز السياسي من قبل أردوغان، سوف يصنع تحالفات جديدة في المنطقة.

من جانبه توقع السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية السابق، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، عودة سوريا إلى الجامعة العربية في قمة تونس المزمع عقدها في نهاية مارس المقبل، مشددا على أن الأيام المقبلة قد تشهد تقدم عدد من الدول العربية بطلبات لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، وأشار إلى أن التحركات التي تقودها بعض الدول العربية لإعادة سوريا للجامعة العربية خطوة مهمة في إطار تغير المشهد السوري عما كان قبيل تعليق عضويتها، لافتًا إلى أن استبعاد سوريا من الجامعة العربية كان قرارًا خاطئا ويستوجب التصحيح، وتابع عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، أن هناك العديد من الدول العربية كانت تطالب برحيل الأسد اصبحت الآن غير ملحة في هذا الطلب، بالإضافة إلى أن روسيا تلعب دورا كبيرا في إدارة الأزمة السورية، وهو ما أدى إلى تغير موقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وأوضح رخا، أن إعادة سوريا للجامعة العربية أمر مهم في ظل اتجاه الأزمة للحل، بالتزامن مع ما يجري في اليمن وليبيا، وكلها ملفات أوشكت على الحل، وهو ما يدعم بقوة عودة سوريا من جديد إلى بيت العرب.. ولفت عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، إلى أن الموقف السعودي تغير بالنسبة للأسد، وبالتأكيد زيارة الرئيس السوداني إلى دمشق كانت بتفاهات سعودية أو معرفة سعودية مسبقة.

"نقلا عن العدد الورقي..."
الجريدة الرسمية