رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

ورقة من دفتر يوميات محافظ (1)


جاء حرج اللواء خالد عبد العال، محافظ القاهرة، بعدما وجه له الرئيس السيسي عدة أسئلة في صميم عمله، بل هي تقريبا كل عمله ولم يستطع أن يجب عنها، كاشفا عما تعانيه مصر من أزمة حقيقية هي السبب الرئيسى والأساسى فيما تعانيه مصر منذ عقود من مشكلات وكوارث صحية وتعليمية واجتماعية وأمنية الخ..


فقد كانت الأسئلة في مستوى المحافظ المتوسط! لكنه لم يستطع الإجابة عنها، رغم أنها من صميم عمله المقرر، فقد كان السؤال الأول عن دخل صندوق العشوائيات بالمحافظة، والثاني عن دخل المحافظة، والثالث عن عدد الكباري التي تم تنفيذها في المحافظة في الفترة الماضية، وكلها رسب فيها المحافظ، وكشف لنا كشعب عن سبب معاناتنا، فالمسئول ليس لديه أبسط معلومات عن وظيفته وبالتالي كيف يستطيع أن يحل مشكلات المواطنين، أو يضع خطة لتطوير محافظته أو موطن عمله؟

فماذا يفعل محافظ من نوعية المحافظ الذي لا يعرف معلومات أساسية عن محافظته في يوم عمله؟

الأمر بسيط للغاية وسنسرده من خلال مذكرات أحد المحافظين التي عثرنا عليها بوسائلنا الخاصة، حيث يقول سيادته عن يوم من يومياته: بدأ يومي –كالعادة– في الساعة السادسة حيث أحب الاستيقاظ مبكرا، لأني مؤمن إيمانا عميقا بأن البركة في البكور، وحتى يكرمني الله ويوفقني في مهنتي الشاقة..

فأنا رئيس دولة مصغرة هي المحافظة؛ لذا يجب أن أبدأ يومي مبكرا، ثم بعد حمامي المعتاد الذي يمنحني النشاط والحيوية لمجابهة يوم شاق آخر من أيام المحافظة، أرتدي ملابسي في سرعة بينما السيدة حرمنا - أو الحاجة كما أحب أن أناديها- تعد لي طعام الإفطار، وأصلي الصبح داعيا المولى عز وجل أن يوفقني ويأخذ بيدي ويمنع عني أي أذى من هذه المهنة، أي مهنة المحافظ..

ثم أجلس على المائدة وأنا ممسك بجريدتي الصباحية التي أحرص عليها لأن بها بعض الصحفيين من أحبابي الذين يقومون بتلميعي– هذا هو التعبير الصحفي الذي يعني إظهار كل أعمالي، والتركيز عليها حتى لو كانت أعمالا بسيطة، أو حتى دون أعمال من الأصل– وذلك وأنا أتناول ساندويتش الجبن الرومي من يد الحاجة، بارك الله فيها، ثم أثني بساندويتش البسطرمة الجميلة من أعمال ست الكل الحاجة، ربنا يجزيها خيرا..

ثم أرفض تناول ساندويتش البيض بالجبن البيضاء، رغم إلحاح الحاجة الشديد – على فكرة هذا الموقف الذي يتعلق بساندويتش البيض بالجبن يتكرر كل يوم دون أن أتناول السندوتش أو تكف الحاجة على الإلحاح، وصار ذلك تقليدا يوميا تحرص عليه الحاجة خوفا من أن يصيبنا مكروه بتغيير العادة، وتيمنا بأنه عندما حدث ذلك أول مرة وذهبت لعملي فوجئت بتعييني محافظا، فظلت الحاجة محافظة على تلك العادة الجميلة لدرجة أنه أحيانا لا تجد الحاجة بيضا أو جبنا بيضاء فتمسك بساندويتش بسطرمة، قائلة لي: "والنبي يا حاج تناول ساندويتش البيض بالجبن من أيدي"، وأنا أدَّعي أنه كذلك، وأعتذر لها بانشغالي الشديد بالأعمال والمهام الجسام الملقاة على عاتقي، وأرتشف قليلا من فنجان الشاي على عجل.

وتنظر الحاجة من الشرفة لتتأكد من أن الأسطى حسن السائق الخاص بسيارة المحافظة ينتظرني، فأقوم ممسكا بالحقيبة السوداء بعد أن تحشوها الحاجة، أكرمها الله بالغريبة اللذيذة التي أحبها مع بعض الزلابية وعسلية جوز الهند، وكلها أشياء أعشقها وأتناولها في عملي الشاق لتخفف عني صعوبة العمل وشدته، فأنا المحافظ أي رئيس دولة صغيرة هي المحافظة، فيجب أن أمارس مهام عملي بكل نشاط وأراعي الله في كل دقيقة حتى أحلل راتبي الكبير آخر الشهر.

وأنزل فيستقبلني الأسطى حسن ويحمل عني الحقيبة السوداء بكل حرص وعناية، ويظن المغفل أن بها أوراقا هامة تخص عملي الهام الذي هو محافظ، وأنتم تعلمون أن مهنة المحافظ مهنة ضخمة، ولذلك أنا حريص على سرية أعمالي فلا أصطحب أي أوراق من المحافظة للبيت، وأكتفي بالاطلاع عليها فقط في عملي، ولكن الحقيبة السوداء ثمينة بالفعل فهي تحمل الزلابية والعسلية والغريبة، فتبقى عيناي متعلقتين بحسن وهو يحمل الحقيبة حتى يضعها على المقعد المجاور له..

ويظن المغفل أن ذلك من حرصي على الأوراق المهمة بها! ثم يفتح حسن باب السيارة محييا لي بيده تلك التحية التي أحبها بل وأعشقها جدا رغم أني أدعي أني لا أهتم بها، لكنها تشعرني بأني جنرال ذاهب لميدان الحرب، وهذا تشبيه طبيعي فأنا محافظ ومهنتي جسيمة وضخمة، وأطلب من حسن أن يغلق ستائر السيارة لأني رقيق الإحساس لا أحب أن أرى مشاهد تؤذي عيني، خاصة أن كل المناطق التي نمر بها هي من مناطق محافظتي..

فلا أحب أن أرى تلال القمامة حول بعض الصناديق الصدئة، أو الكلاب الضالة تمرح كيفما شاءت، أو استغلال بعض ضعاف النفوس من الباعة وأصحاب المحال لحرم الطريق ومنع الناس من السير على الأرصفة، أو سرقة بعض المقاهي العشوائية والباعة الجائلين ببجاحة منقطعة النظير للتيار الكهربائي من الأعمدة، أو بعض العشوائيات المهددة بالانقضاض، والأطفال يمرحون في مقالب القمامة كأنهم في حدائق كبرى إلخ..

هذه المشاهد تؤذيني فأرفض رؤيتها في الصباح وأنا في طريقي لممارسة مهام عملي الجسيمة، وكنت أحيانا أسأل حسن السائق أين المسئولين يا حسن من هذا الإهمال وهذه المشاهد الغريبة والعشوائية؟!!

فلا يستطيع حسن أن يرد لأنه جاهل طبعا بالإجابة، وأظل أدعو على المسئولين الذين لا يرعون الله في عملهم حتى أني دعوت عليهم مرة بالسيدة وبسيدنا الحسين من شدة غضبي منهم؛ لذلك صرت حريصا بعد يأسي من تغير الأحوال على إسدال الستائر على نوافذ السيارة وكما يقول المثل: "الباب الذي يأتي لك منه الريح سده واستريح".
Advertisements
الجريدة الرسمية