رئيس التحرير
عصام كامل

عمر الشريف.. كيف نُشفى من حب «الأراجوز»؟!

عمرو الشريف
عمرو الشريف

أراجوز.. أراجوز.. إنما فنان
فنان.. أيوه.. إنما أراجوز
ويجوز يا زمان أنا كنت زمان
غاوي الأرجزة طياري.. يجوز
إنما لما الكيف بقى إدمان

باجي أبص لشيء واحد أرى.. جوز
أرى إيه؟ أرى إيه؟ أرى أرى أراجوز
***
بالكلمات تلك اجتاز الفنان الراحل عُمر الشريف عتبة فنية جديدة في مسيرته الفنية، فبقدر ما كانت السخرية حاضرة طوال أحداث فيلم «الأراجوز»، الذي ظهر إلى النور في العام 1989، وجدت السياسة لها موضع قدم، لكنها كانت طوال مشاهد العمل أسيرة لـ«النقد اللاذع»، تارة بالغناء، وتارة أخرى بالمشاهد التي أبدع في إخراجها هاني لاشين، صاحب القصة والسيناريو والحوار أيضا، مستعينًا بموهبة أبطال العمل، وعلى رأسهم «الشريف» والفنانة ميرفت أمين، والفنان الصاعد – وقتها – هشام سليم. 

زوايا كثيرة يمكن النظر منها إلى «الأراجوز»، فيلمًا وشخصية، فمن يريد الضحك – لمجرد الضحك- سيجد في الفيلم والشخصية أيضا ملاذه الآمن، سيضحك ملء قلبه، حتى تدمع عيناه، ومن يتقن قراءة ما بين السطور، سيعرف أن «أراجوز الشريف» يدرك جيدًا موطن الداء، يشخصه بــ«النكتة والإفيه»، يهرب من المسئول عنه باصطناع السذاجة، خوفًا من عقاب أليم.
****
فلسان.. كحيان.. أيوه أنا فلسان
إنما برضك.. راجل إنسان
بضرب بالألف لسان ولسان
وباكلها بعرقي.. ومش إحسان
راجل والرجولية لا عضلات
و لا ألابندة وسيما وحركات
الرجولية الحقيقية ثبات
قدام جبونية أي جبان
***
محمد جاد الكريم، «أراجوز القرية»، الشخصية التي جسدها الراحل عمر الشريف في فيلمه، يمكن القول إنها شخصية مصرية 100%، تعرف الطرق الملتوية لإخراج الضحكة من قلب الأزمة، المعارضة بـ«التي هي أضحك»، وقبل هذا وذاك، تمتلك صبرًا على الشدائد وقوده «النكتة»، فـ«الأراجوز جاد الكريم»، الذي منح الحياة ابنًا أسماه «بهلول»، سرعان ما دارت عجلة الأيام، ليواجه أطماع ابنه الراغب في الثراء السريع، بعدما اكتشف أن عجلات سيارة أحلام الابن «بهلول» ستدهس فقراء القرية الذين كان – وظل - «جاد الكريم» واحدًا منهم، ليس هذا فحسب، بل مدافعًا عنهم من ظلم الكبار.
..
أراجوز أنا وأحمي.. أرى أرى إيه؟
أحمي قراريط الناس من مين؟
من الناس الأرى أرى إيه أرى إيه؟
من الناس القراميط الملاعين
ما هو أصل أنا مش من الأرى أرى إيه
مش من القراطيس
و لو الحال مال مقعدش أنا على
أرى إيه أرى إيه؟.. قرافيصي وأطنش ع الأندال
لازم أشك الأندال مهموز
وأدوس ع اللي افترى والعنطوظ
م أنا أرى إيه أرى إيه؟؟ أرى أرى أراجوز
***
هنا.. يمكن القول إن الشاعر الراحل سيد حجاب، صاحب كلمات أغنية «الأراجوز»، كان مولعًا بـ«الشريف»، إلى جانب ولعه المعروف بـ«السخرية اللاذعة»، فالكلمات التي كتبها تعبر كثيرًا عن شخصية البطل، صاحب الدور الأول، تكشف جزءا كبيرا من فلسفته في الحياة، في التعامل مع الأزمات والنكبات والسقطات، موقفه الواضح والحاد – في نفس الوقت – من الظلم، وهو ما يؤكد «الشريف» بقوله «عندما أرى ما يحدث في العالم بين الديانات المختلفة، أشعر بالحزن والغضب من الصراعات التي قد تنتهي بالقتل والحروب، من المثير للسخرية أن يكون الدفاع عن الله بالقتل والتوحش، أنا أؤمن بالله وأؤمن بالأديان، لكن ما لا أفهمه، هو إصرار اليهود مثلًا على أنهم هم من سيدخلون الجنة والباقين إلى الجحيم، نفس الشيء ينطبق على المسلمين والمسيحيين، من السخف أن نخصص عدل الله ونقتطعه بهذا الشكل».
****
أراجوز.. وشجيع.. والدنيا ميدان
فارس.. حارس.. واقف ددبان
وإذا بان للشر نيبان وزبان
باحمي الغلبانة والغلبان
وشجاعتي ماهياش في الطاخ طيخ
دي شجاعة تفكير وتماخيخ
الأرض أضربها تجيب بطيخ
بذكاوتي وأخلي الخلا بستان
***
الفقر هو الآخر، إلى جانب الظلم، كان المادة الدسمة لـ«كلام الأراجوز»، فالفقراء يضحكون من روحهم على كلمات الأراجوز، يضحكون لأنهم على الدوام يعرفون أن الأراجوز منهم، مثلهم يعاني من «طمع الكبار» وظلمهم، لكنه أفضل منهم، فبلسانه يواجه «الظلمة»، يجلدهم بـ«الكلام والنكت»، ولهذا كان دائما هو بطلهم الأقرب إلى قلبهم.
***
أراجوز أنا.. والدنيا أرى إيه؟
قرشانة واحنا شبر شبيط
ياما قرمتني وأرى أرى إيه؟
قرصتني ف لباليبي وأنا كبير
فسرحت أنفخ أرى إيه أرى إيه؟
أراغيلها وأغني يا ليلي يا عين
وأتمسخر على أرى إيه أرى إيه؟
أراذلها الفجرة الطماعين
و أضَّحَك كل صبي وعجوز
ع اللي بيتنطط فرقع لوز
مانا أرى أرى إيه؟ أرى أرى أراجوز
***
الصندوق الخشبي الذي كان يختفي وراءه «جاد الكريم»، تاركًا «أراجوزه» يرقص ويغني ويسخر، يمكن القول إنه كان بمثابة ثكنته العسكرية، «التبة» التي كان يطلق من فوقها دانات مدافعه وصواريخه ويصوب طلقاته ناحية «رءوس الفساد»، غير أن الطلقات لم تكن تخرج من ناحيته فقط، فسرعان ما بدأ الجانب الآخر في اللجوء إليه، مستغلًا موهبته في القنص والقتل، ولأنه لا يؤمن بأن الفكرة تواجه بالفكرة، فقد كانت رصاصته جاهزة، مُعدة مسبقًا، لتأخذ طريقها إلى قلب الأراجوز، ولسانه، وعينه، وعقله، ليصمت إلى الأبد، إلا أنها كانت رصاصة «بنت أصول»، فما كان منها إلا أن تجاوزت المسار الذي حدده مطلقها، لتستقر في قلب «رفيقة الأراجوز» التي كان يصفها بـ«كراونة عمره»، لتسقط في وسط الطريق، تاركةً بطلها، ونصير الفقراء يكمل مسيرته وحيدًا.
***
أراجوز أنا.. وأقدر أرى أرى إيه؟
أراعيكي وأشيلك في عيوني
وإذا مرة زعلتي أرى أرى إيه؟
أراضيكي بعقلي.. وبجنوني
حُطِّي من السما على أرى أرى إيه؟
أراضيّه واسلِّم لِك أمري
وكُلِي معايا في أرى إيه أرى إيه؟
قروانتي يا كروانة عمري
وبَدَل منا كده ملوي الَبَزبوز
أصبح لك جوز معزوز محظوظ
إيه يا ترى إيه؟ أرى أرى أراجوز
أرى إيه؟ أرى إيه؟ أرى أرى أراجوز
الجريدة الرسمية