رئيس التحرير
عصام كامل

غصن أنقذ «نيسان» فاعتقلته اليابان


تعرض تحالف صناعة السيارات العملاق "نيسان ـ رينو ـ ميتسوبيشي" إلى هزة كبيرة، بعد إعلان اليابان اعتقال رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لشركتي نيسان اليابانية ورينو الفرنسية، ورئيس مجلس الإدارة لشركة ميتسوبيشي موتورز "كارلوس غصن"، ذي الأصول اللبنانية، الذي يحمل الجنسيتين الفرنسية والبرازيلية، لاتهامه بالفساد المالي، التهرب الضريبي في اليابان واستغلال أصول الشركة لمصالحه الشخصية.


بمجرد شيوع نبأ اعتقال غصن هبطت أسهم نيسان في البورصة 14%، كما انخفضت أسهم رينو بأكثر من 12%. ووجد خبر اعتقال غصن اهتماما كبيرا بين المهتمين اقتصاديا ومتابعي "التواصل الاجتماعي"، الذين نشروا لمحات من حياته ونجاحاته، والأهم من هذا وذاك الأجور الطائلة التي يتقاضاها من رئاسته الشركات العملاقة الثلاث، ما أجبر شركة نيسان "اليابان" على إقالته، بعد أن أجرت تحقيقا داخليا الفترة الماضية بشأن الفساد المالي، وسوء السلوك الذي تورط فيه "غصن".

وأعلن الرئيس التنفيذي في نيسان موتورز "هيروتو سايكاوا": عزل "كارلوس غصن" رئيس مجلس الإدارة، بعد ثبوت سوء سلوك مالي خطير وغير مقبول، وأن التحقيق الداخلي أدان غصن والعضو المنتدب "جورج كيلي"، بتزوير حجم أموالهما وأرباحهما الفعلية في تقرير الأوراق المالية في بورصة طوكيو، من أجل تقليل حجم الضرائب المفترض دفعها على مدار سنوات عديدة، مع استغلال أصول الشركة لمصالحهما الخاصة.

اعتقال "كارلوس" يعيد إلى الواجهة أزمة حدثت قبل عامين حين صوّت غالبية مساهمي الشركات، التي يترأسها ضد رواتبه ومكافآته المبالغ فيها عن العام 2015، مع الاعتراف بأنه من بين أبرز قادة صناعة السيارات على مستوى العالم، ومن أفضل المديرين التنفيذيين في اليابان وفرنسا منذ سنوات عدة.

بعدها أعلن أنه نال من نيسان 10 ملايين دولار عن عام 2016، ومن رينو 8.5 ملايين دولار، ونحو مليوني دولار من شركة ميتسوبيشي، وفي يونيو من العام الجاري، منحته رينو 8.4 ملايين دولار مقابل عمله في السنة المالية 2017، كما حصل على 6.52 ملايين دولار من نيسان و1.96 مليون دولار من ميتسوبيشي لنفس الفترة.

ومع أن تصويت المساهمين غير ملزم، إلا أن تصويت مجلس الإدارة لصالح مكافآت ورواتب "كارلوس" عمق الأزمة، لأنه غض الطرف عن رأي ورفض المساهمين في اليوم نفسه.

اعتقال "كارلوس غصن" في اليابان واتهامه بالفساد المالي لا ينفي أنه قاد بنجاح لافت أحد أكبر تحالفات السيارات في العالم، وأنقذ نيسان اليابانية ورينو الفرنسية من الإفلاس، وقادهما إلى تعويض الخسائر ثم تحقيق الأرباح.

وُلد "غصن" في مارس 1954 في البرازيل لأب من أصل لبناني وأم من أصل فرنسي، عادت به إلى لبنان ليلتحق بالمدرسة ومنها إلى دراسة الهندسة في فرنسا.. يتحدث كارلوس غصن 5 لغات عالمية، هي العربية، الإنكليزية، الفرنسية، اليابانية لعمله في شركة نيسان باليابان، واللغة البرتغالية، لمولده في البرازيل.

بعد انتهاء دراسته للهندسة عمل في شركة "ميشلان" لتصنيع إطارات السيارات، وسرعان ما أظهر نبوغا مكنه من الترقي وشغل مناصب قيادية.

في تلك الفترة طلبته شركة "رينو" بعد أن أوشكت على الإفلاس، وسرعان ما حقق غصن النجاح وأنعش الشركة اقتصاديا وبدأت تحقق أرباحا، بعد قيامه بإعادة هيكلة جذرية للشركة نهاية العام 1990، فأطلق عليه Le Cost Killer "قاتل الكلفة"، واستمر في رئاسة "رينو" بمنصب نائب الرئيس التنفيذي، ومكلّف بتطوير عمل الشركة، وفتح أسواق جديدة لها، كما كُلِّف رئاسة قطاع الشركة في أمريكا الجنوبية.

وتكرر الأمر نفسه مع شركة "نيسان" اليابانية وأنقذها من الإفلاس، ومثلما قال الكثيرون أنه ألهم بعبقريته كيانا ضخما وحال دون وقوعه في براثن الإفلاس في 1999، وفي بداية عام 2000، نال "غصن" لقب "السيد حلال المشكلات"، وعبر إدارته الناجحة للشركتين أنشأ تحالفا بينهما، حافظ من خلاله على منصبه في "رينو"، لكن عُيّن أيضًا رئيس قطاع عمليات في "نيسان"، قبل أن يصبح في عام 2001 رئيسًا تنفيذيًا للأخيرة، وانضوت تحت إدارته المميزة بعد ذلك "ميتسوبيشي".

يرى "غصن" الذي يدير شركات عملاقة في قارات مختلفة، أن "المدير الناجح من يحقق نتائج باهرة ليس في المدى القصير، إنما على فترات طويلة تصل إلى 15 سنة.. وإنه يدير بنجاح تام شركات يعمل فيها 450 ألف موظف حول العالم، وأسلوب إدارته يظهر مما تحققه من أهداف ونتائج وأرباح سنوية".

كان من بين تصريحات "كارلوس" الشهيرة أن "الأساليب الملتوية يمكن أن تنجح لبعض الوقت، لكنها لا يمكن أن تستمر على المدى الطويل".. وتحققت قناعة "كارلوس غصن" وتبين فساده المالي واستغلال مناصبه الحساسة لمصالحه الشخصية، وأضاع بطمعه أسطورة نجاح عالمية.

الجريدة الرسمية