رئيس التحرير
عصام كامل

د. إلهام شاهين أستاذ العقيدة والفلسفة: إذا كان الاحتفال بالمولد النبوي بدعة فصلاة التراويح بدعة

الدكتورة إلهام شاهين
الدكتورة إلهام شاهين


  • ◄الاحتفال بالمولد النبوي مباح وليس بدعة
  • ◄ترك الرسول لمسألة ليس دليلا على التحريم
  • ◄الاحتفال بالمولد النبوى بالحلوى والزينة أمر مشروع ولا شيء فيه
  • ◄النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يحتفل بمولده بالصيام وشكر الله
  • لماذا نقر بعض السنن الحسنة ونرفض غيرها مما لا تخالف أصل الدين في شيء؟

مع حلول ذكرى المولد النبوي الشريف؛ تجدد الخلاف والحديث حول مدى مشروعية الاحتفال بذكرى مولد النبي - صلى الله عليه وسلم- فمن العلماء من يرى أنه جائز ولا شيء فيه، والبعض الآخر ينكر الاحتفال معللا ببعض المظاهر المخالفة التي قد تحدث أثناء الاحتفالات.

"فيتو" بدورها التقت بالدكتورة إلهام شاهين، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر والتي أكدت على أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف أمر جائز شرعًا ولا شيء فيه، وأن مجرد الترك النبي للشيء ليس دليل على حرمانية، مشيرًا إلى أنه يجب التفرقة بين البدعة الحسنة المقبولة وبين البدعة المذمومة.

وإلى نص الحوار...

◄بداية.. هل يجوز لنا الاحتفال بالمولد النبوي أم أنه بدعة كما يقول البعض ويحرم علينا ذلك ؟
الحقيقة رغم أننا نجد أن هناك الكثير من المسائل الخلافية بين العلماء القدامى التي أدلى فيها كل منهم بدلوه وخالف الآخر، إلا أننا نجد الأمر قد حسم وانتهى اللغط حوله لأن هناك من أباح وآخر قد كره، وعلى كل مسلم أن يأخذ بما يوافق ظروفه وييسر له أمور حياته وترتاح له نفسه، أما الأمور المستحدثة فالمشاهد أن بعض من خاض بحر العلم لم يفهم أصوله وقواعده لذا لا يفهم معنى الاختلاف في الرأي بل يصر على فرض رأيه وإثارة البلبلة والتشكيك والهمز واللمز ويكثر من اللغط حول مسائل اجتهادية وأمور مستحدثة ويشغل بها الناس ويظهر الخلاف في الأمة حول نبيها مع أن هناك من الأمور ما يجب أن يهتم الناس به أكثر من هذا..
 
والأمر لا يجب أن يأخذ هذا المنحى أبدا، أي لا يجب أن يدور الحوار فيه حول الحل والحرمة، لأن تحريم الشيء لابد أن يكون بنص صريح فيه نهى للتحريم، وليس مجرد نهى ويدل عليه عقاب، وأما ترك الرسول فليس فيه دليل على التحريم ولذا قام العلاّمة المحقّق الحافظ السيّد عبدالله بن الصّدّيق الغماري بتأليف رسالة رائعة بعنوان "حسن التفهم والدرك في مسألة الترك" وأجاد فيه.

◄معنى ذلك أن الاحتفال ليس حراما بل مباح... فما ردك على من يقول بأنه بدعة ومحرم؟
من يرفض الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي والصحابة لم يفعلوه ويدعى تحريمه لأنه بدعة فيرد عليه بما ورد عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أن البدعة تنقسم إلى محمودة ومذمومة، حيث قال الإمام الشافعي- رحمه الله- البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة، فهو محمود، وما خالف السنة، فهو مذموم، واحتج بقول عمر في قيام رمضان: "نعمت البدعة هذه"، وقال المحدثات من الأمور ضربان: ما أحدث يخالف كتابًا أو سنة أو أثرًا أو إجماعًا، فهذه بدعة ضلالة، وما أحدث من الخير لا خلاف لواحد من هذا، فهذه محدثة غير مذمومة. قد قال عمر في قيام رمضان: "نعمت البدعة هذه".

وعلى هذا فمن يرفض الاحتفال بمولد الرسول فعليه أولا أن يرفض كثيرا من الأشياء التي استحدثت بعد عصر النبي ومنها تدوين السنة والحديث كله لأن تدوين الأحاديث لم يتم في عصر النبي ولا الصحابة، وإنما تم في عصر التابعين وتابعي التابعين فهل نرفضها، ونقول عنها بدعة أم أنها سنة حسنة لمن قام بها أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة وكذلك صلاة التراويح في جماعة لم يفعلها النبي ومع ذلك أقرها عمر لمن فعلها وختم القرآن بالحرمين وبالمساجد في صلاة التراويح في رمضان من كل عام، فكل هذه بدع حسنة لم يفعلها الرسول ولا الصحابة وإنما نقر بأنها عمل يوافق السنة ولا يخالفها فنعم البدعة هذه. 

◄وماذا عن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" ؟
لم يقل الرسول من أحدث في أمرنا هذا فهو رد، لأنه لو قال هذا لما كان هناك مجال للاجتهاد ولا للسنة الحسنة أو البدعة الحسنة أو الإتيان بما لا يخالف الدين في شيء بل قد يخدم الدين ويدفع عنه الكثير بل قال: "ما ليس منه"، وقد يتضح المعنى أكثر بحديث أبو إسرائيل، وهو ما ورد بسنن أبى داود باب الإيمان والنذور عن ابن عباس قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس فسأل عنه قالوا هذا أبوإسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم، قال "فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه فرفض النبي من نذره ما ليس من الإسلام وهو مجرد القيام والوقوف وتعذيب النفس بالوقوف في الشمس والانقطاع عن الكلام وإن كان عند من سبقنا من الأمم والشرائع إلا أنه ليس في الإسلام ولا يقره كالرهبانية، وإنما أقره فقط على الصوم عن الطعام لأنه من الشعائر الإسلامية ولذا قال البعض "من أحدث في أمرنا هذا ما هو منه فليس برد" ولذا فمن السنن الحسنة والبدع الحسنة ما يحدث اليوم في الحرم المكي والنبوي ويعمل به كثير من المسلمين في شهر رمضان من ختم القرآن كاملا في صلاة التراويح وهو ما لم يفعله النبي ولا الصحابة ولا التابعين فلماذا نقر بعض السنن الحسنة ونرفض غيرها مما لا تخالف أصل الدين في شيء"..

◄كيف ترين الاحتفال المعاصر بمولد الرسول من حلوى وزينة وتهنئات وأناشيد؟

الاحتفال بمولد الرسول هو نوع من إظهار الدعوة الإسلامية في البلاد ومدعاة ليسأل الناس عن أسباب الزينة والاحتفال والحلوى وغيرها من أشياء لا تخالف الشريعة الإسلامية بل تتماشى معها، فيكون السؤال سببا للجواب لمن لا يعرف ومزيد من المعرفة لمن لديه قلة من المعلومات عن الإسلام ونبيه الكريم، فلو أن البلاد تختلط فيها ديانات مختلفة مسيحية ويهودية وبوذية وإسلامية، فهل يترك كل هؤلاء يحتفلون بمناسباتهم الدينية ويظهرون وطنهم بمظاهرهم الدينية في المناسبات المختلفة ولا يكون هناك أي مظهر للمسلمين واحتفالاتهم، قطعا الاحتفال بهذا الشكل مطلوب حتى نظهر محبتنا للرسول واعتزازنا بديننا وتعظيمنا لرسولنا.

◄هل كان يحتفل الرسول بمولده؟
نعم، كان يشكر نعمة الله عليه في يوم مولده.. فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن صوم يوم الإثنين فقال: "ذاك يوم ولدت فيه، وفيه أنزل على"، وهذا نص في الاحتفال بيوم مولده صلى الله عليه وآله وسلم لا يحتمل غيره. وفي ذلك موافقة لنا في مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، ولله در الحافظ ابن رجب الحنبلي حيث قال في هذا المعنى في كتابه لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، فيه إشارة إلى استحباب صيام الأيام التي تتجدد فيها نعم الله على عباده، فإن أعظم نعم الله على هذه الأمة إظهار محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبعثته وإرساله إليهم، كما قال تعالى "لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم"، فصيام يوم تجددت فيه هذه النعمة من الله سبحانه وتعالى على عباده المؤمنين حسن جميل، وهو من باب مقابلة النعم في أوقات تجددها بالشكر".
الجريدة الرسمية