رئيس التحرير
عصام كامل

لا قبل «يناير» كان جنة.. ولا بعدها جهنم!


خلال الثمانية عشر يوما في انتفاضة يناير كنت أردد يوميا في برنامج ٤٨ ساعة، إن مصر بعد ٢٥ يناير ستكون مختلفة تماما عما قبلها، وسوف يأتي يوم نتمنى العودة لأيام ما قبل يناير، كما أن أقصى طموحات العرب العودة لحدود ما قبل ٤ يونيو ١٩٦٧، وبعد سبع سنوات مما حدث، قالها "السيسي" بمنتهى الشجاعة، إن طموح دول الربيع العربي كلها هو العودة لأوضاع ما قبل هذا الربيع..


وضرب مثلا بما أنجزته مصر خلال السنوات الخمس الماضية من إصلاحات وإنجازات وتثبيت مؤسسات الدولة من الانهيار، ولكن أقصى الطموح هو العودة لأوضاع ٢٤ يناير ٢٠١١، ولذا فقد كان الاقتراح الذي قيل أيامها من نائب الرئيس عمر سليمان بإجراء انتخابات رئاسية بعد ستة أشهر بعد حل البرلمان وتسريح الحكومة سيضمن للبلد الاستقرار، وللعملية قيمتها، وللمؤسسات هيبتها مع الزخم الوطني الذي شحن النفوس، خاصة وأن العالم وقتها وقف منبهرا بما قدمه المصريون خلال ثمانية عشر يوما..

ولكن المؤلفة قلوبهم وطنيا راحوا يرفضون الاقتراح ويشيعون لمن في الميادين والشوارع إنه بمجرد فُض الميادين سيقوم مبارك بحملة إعتقالات لكل من شارك في انتفاضة الشوارع، وتزعم تلك الحملة البرادعي والإخوان وحزب الوسط بخطب نازية من عصام سلطان والبلتاجي ومعهم للأسف الناصريون والثوريون الاشتراكيون وراحوا يقذفون بالاتهامات البشعة كل من كان يؤيد هذا الاقتراح السلمي..

وراحت قنوات الجزيرة وأخواتها تشن حملات على من يؤيد العودة للبيوت وإجراء الانتخابات، ولم يجد الفريق الضئيل المؤيد من يسانده ممن كانوا في منصات الحكم أيامها، والمدهش إن من تزعموا حملات الرفض والتشكيك في نوايا الحل السلمي أصبحوا يتصدرون المشهدين السياسي والإعلامي في مصر، وبغض النظر عما حدث ولايزال من توابع ٢٥ يناير، فإن المقارنة بين ما كان عليه الرضع وما بعده ربما يكون هو الصواب لبيان حجم الدمار النفسي والاقتصادي والاجتماعي بل والسياسي الذي ضرب الأمة..

فقد كان الدولار بنحو ٦ جنيهات وكان الاحتياطي الإستراتيجي ٣٦ مليار دولار بالإضافة لــ ٩ مليارات وضعها مبارك في حساب خاص بالبنك المركزي، وكانت نسبة النمو تقترب من الــ ٧٪‏، وكانت السياحة تبشر بازدهار غير مسبوق بخلاف الأسعار التي كانت في متناول الجميع، وكانت ديون مصر الداخلية تقترب من التريليون جنيه..

بينما الديون الخارجية تقترب من الــ٣٥ مليار دولار بما يعادل ١٥٪‏ من الناتج المحلي، ليقفز الدين الداخلي إلى أربعة ترليونات من الجنيهات، ويرتفع الدين الخارجي إلى ما يقارب من المائة مليار دولار، لكي يمثل الدين الداخلي والخارجي ١٢٣،٦٪‏ من الناتج المحلي الإجمالي، أي أن ديون مصر تضاعفت أربع مرات خلال تلك السنوات السبع..

ولكن كل ذلك لا يعني أن ما قبل يناير كان الجنة والعيش الرغد والحكم الرشيد، فقد كانت مصر السياسية تعيش أسوأ أيامها من الاستبداد والدولة البوليسية وسيطرة الحزب الوطني على مقدرات البلاد واحتكاره الحياة السياسية والبرلمانية، فضلا عن ازدياد الفقراء بنسبة تقترب من ٤٠٪‏ تحت خط الفقر..

وكانت ثمار التنمية لا تتساقط على الأمة، ولكن على بعض رجال الأعمال حتى لا يتصور البعض أن ما قبل ٢٥ يناير كان حلما نتمني الرجوع إليه، وحتى لا يظل المصريون يستبدلون السيئ بالأسوأ، خاصة وأن معظم ما كان الناس تشكو منه قبل يناير عاد وربما أكثر..

فلم تنصلح الحياة السياسية وتم وأد الأحزاب والمحليات، ولم تعد هناك انتخابات لا في الجامعات ولا الأندية، وكادت الحياة السياسية تتجمد، وحتى نصوص الدستور المهمة التي تحسب فيها الذين وضعوه لكل الألاعيب السياسية وجد من ينتهكها ببساطة ويرجئ تنفيذ نصوصه، ولم تشهد مصر عملية تحول ديمقراطي تليق بحدثين مهمين ك٢٥ يناير و٣٠ يونيو..

لتظل شعارات العيش والحريّة والكرامة مجرد شعارات تصلح للصراخ بها في الميادين، ولا يصلح للتطبيق، لأننا أمة الفرص الضائعة التي لا تتعلم دروس التاريخ إلا بعد فوات الأوان دائما، وخلاصة الحكاية أنه لا قبل يناير كانت مصر جنة ولا بعدها أصبحت جهنم!
الجريدة الرسمية