رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

عباس محمود العقاد يكتب: علمتني الحياة

عباس محمود العقاد
عباس محمود العقاد

في مجلة المجتمع العربي عام 1959 كتب الأديب عباس محمود العقاد مقالا قال فيه:

علمتني الحياة خطتين في سياستي مع الناس، خطة اتبعها فيما يصيبني من الناس، وخطة فيما يصيب الناس مني، فاسترحت كثيرا من تبديد شعوري في غير طائل، وعرفت كيف يكون الاقتصاد في إنفاق الثروة.


أما خطتي فيما يصيبنى من الناس فهي أن أتناول طباعهم وأخلاقهم جملة واحدة ولا أفرق بينهم على حسب اختلاف الأشخاص والأفراد.

كان الخلق الواحد في مبدأ الأمر يسبب لي الألم وخيبة الرجاء عشرات المرات بل مئات المرات، وكنت في كل مرة أشعر بصدمة المفاجأة كأنني أكتشف شيئا جديدا لم أكن أتوقعه من قبل.

ثم تعودت مع الزمن أن أجعل للناس جميعا حسابا واحدا في رصيد المكسب والخسارة، فهبطت الخسارة كثيرا على الأقل، وهذا في ذاته كسب معدود.

اما خطتي فيما يصيب الناس مني فهي أن أسأل نفسي كلما شعرت بسخطهم وانتقادهم "هل الأمر يعنيني" وبعبارة أخرى هل يضيرني أن أفقد رضاهم، وهل يعنيني أن أفقده.

فإذا كان في الأمر ما يضير أو ما يعيب فالأمر يعنيني، ولابد من معالجته بما أستطيع وإلا فلا وجه للتعب والاكتراث، وعولت دائما على المقياس العملي لأن الجري وراء النظريات لا ينتهي إلى غاية.

ومن التجارب الكثيرة في الأشخاص الذين عرفتهم حق المعرفة تبين لي أنهم يحتالون ويتعبون عقولهم وضمائرهم في الاحتيال، طلبا للشهرة التي لا تهمهم لذاتها، ولكنها تهمهم لغاية يصلون إليها من ورائها.

وحمدت الله لأن تلك الغاية لا تهمني أنا، ولا تستحق عندي أن أبذل فيها أقل تعب، حتى لو استطعته كل لحظة، وكنت كمن يتمنى نصيبا من المال ليشتري به شيئا، ثم علم أن الشيء لا يستحق الشراء، فاستغنى عن المال واستغنى عن تمنيه.

وحب العزلة عادة لم أتعلمها من الحياة، بل أخذتها من أبوي الاثنين بغير تعليم، فمن استطاع أن يتعلمها فليتعلمها إن كانت تعنيه.
Advertisements
الجريدة الرسمية