رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

مصطفى محمود يكتب: التعاطف هو الحياة

مصطفى محمود
مصطفى محمود

في مجلة "صباح الخير" عام 1976، كتب المفكر والعالم والأديب الدكتور مصطفى محمود (ولد عام 1921 ـــ رحل 31 أكتوبر 2009) مقالا قال فيه: "الحب والتعاطف هو الحياة، والاندماج هو أن يقوم أحد الطرفين بالتهام الآخر والاستيلاء عليه.. وهنا الحالة الأولى إنسانية، والثانية جريمة واستغلال نفوذ".


وتابع: "وأعجب ما يحدث أن تجد امرأة تحاكم رجلها على ماضيه قبل أن يلتقى بها ويعرفها، وكأنها تملكه من يوم ميلاده، وكأنما يمتد عقد الملكية بأثر رجعي.. والغريبة أنها تسمي ما تفعله حبا، والحقيقة أنه منتهى العدوان وسوء الخلق تماما، مثل الغيرة التي تسوقها على رجلها بدعوى الحب، وهي في حقيقتها ذريعة للتسلط والتملك".

وأضاف: "الإنسان السوي في حاجة دائما إلى لحظات انفراد مع نفسه وخلوه مع فكره.. وهي لحظات عزيزة لديه لا يجب أن يقتحمها عليه أحد، ولذا كان الفراش المنفصل وغرفة النوم المنفصلة بالنسبة للأزواج ضرورة أحيانا".

واستطرد: "ومن الأخطاء الشائعة التي نرددها أن الشك يحيي الغرام ويزيد في نار المحبة.. هكذا تقول الأغنية التي يغنيها صديقنا عبد الوهاب، لكن خريطة الواقع والشواهد في كل بيت تقول أن هذا الحب (حب الغيرة) لا شك ينتهي دائما إلى فشل، ثم يتحول إلى جحيم العداوة وليس إلى نار الحب".

وواصل الدكتور مصطفى محمود في مقاله قائلا: "والسر في ذلك أنه بدأ عداوة ولم يبدأ حبا، وأنه كان العداوة بعينها من أول لحظة؛ لأن الذي يحب إنسانا لا ينتهكه، ولا يفكر في أن يكسر دماغه ليعرف ما فيها، وإنما ينظر إليه كإنسان حر له خصوصيته واستقلاله وكينونته".

وأردف: "أعود وأقول أن هذه المسائل مردها في النهاية إلى الأخلاق وليس الثقافة، إلى الطبع وليس إلى المدرسة، فالطبع السميح الكريم هو الذي يشع السعادة والحب من حوله؛ لأنه طيع معطاء وهاب بطبيعته، أما الطبع الشرير الأناني طبع مناع مستغل لص، لا يفكر منذ البداية إلا كيف يأخذ، وكيف ينهب، وكيف يسطو".

وأضاف: "خلاصة القول أن المرأة السيئة حبها هو السوء بعينه، ثم هناك المرأة الأخرى التي تريد الرجل وترفض مشاكله، وتطلب لنفسها معقما مستخلصا من مصادرة، مثل: العطور لا أثر فيه لأي شائبة من ظروفه، مع أن الرباط الإنساني في معناه الحقيقي هو التبني، والدليل الوحيد على علاقة المرأة برجلها هو تبني مشاكله، أما أن تحاول تقشيره لتلقي بالقشر وتأكل اللباب فهو لون من الأنانية، ودليل على شخصية تريد أن تأخذ فقط.. والعلاقة الإنسانية لا يمكن اختزالها في نزهة على النيل وهمسات نجوى، وإنما هي تتضمن حمل تبعة وتبني مشكلة، وكل تعارف بين اثنين يتضمن قبول مخاطر، وعلى من يرفض المخاطر أن يغلق بابه عليه، ولا يدعى صداقة بأحد، فالصداقة هي الأخرى تبعة، وكلمة الحب وكلمة الصداقة دعوى".

واختتم مقاله، قائلا: "والله لا يتركنا ندعى أي شيء إلا ويمنحنا منه بأن يضعنا أمام مخاطر الكلمة، ومخاطر التبعة، ويطالبنا بثمن الصدق إن كنا صادقين، والله يمتحننا في ظاهرنا وباطننا، ويمتحن جواهرنا وقلوبنا وأفعالنا".
Advertisements
الجريدة الرسمية