رئيس التحرير
عصام كامل

«سي إن إن» في تقرير مطول عن سد النهضة.. قضية المياه لمصر حياة أو موت.. التحدث المباشر بين قيادات مصر وإثيوبيا طريق النجاة.. و«آبي أحمد» يفضل الانسجام بدلا من المواجهة

فيتو

تحت عنوان «مراحل تطور بناء سد النهضة» نشرت شبكة «سي إن إن» تقريرا مطولا عن ذلك المشروع، والخلافات التي تسبب فيها بين مصر وإثيوبيا وما هي طرق النجاة.


وبدأ التقرير بحديث عن أهمية نهر النيل بالنسبة لمصر، إذ يوفر نحو 85% من المياه للمصريين، ويتم اعتباره شريان حياة والمساس به قضية حياة أو موت.

أهمية السد لإثيوبيا
أما بالنسبة لأهمية سد النهضة للإثيوبيين بحسب التقرير، فإن أديس أبابا تقوم ببناء هذا المشروع بتكلفة 5 مليار دولار، وباكتماله سيكون أكبر سد في أفريقيا حيث سيولد نحو 6 آلاف ميجا وات من الكهرباء للاستخدام المحلي والتصدير، وهذا يعني إنقاذ سكان إثيوبيا من الفقر، لكن المشكلة أن السد الجديد يضع إدارة تدفق مياه النيل في أيدي إثيوبيا، بما يؤدي إلى تحول في مراكز القوة بالمنطقة

خسائر مصر
واستعانت «سي إن إن» برؤية الدكتور علي البحراوي، أستاذ الهيدرولوجيا في جامعة عين شمس، والذي ذكر أن الأمر أشبه بتحكم شخص في صنبور مياه، إذا أراد الشعب الإثيوبي لسبب ما تقليل كمية المياه الواردة لمصر، ستقع البلاد في مشكلة كبيرة.

وبحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «الفاو»، بلغ نصيب الفرد بمصر في المياه 637 مترا مكعبا، مقارنة بـ 9,538 مترًا مكعبًا للفرد في الولايات المتحدة، كما أنه مع توقع أن يصل عدد سكان مصر إلى 120 مليون نسمة بحلول عام 2030، فإن مصر في طريقها إلى بلوغ عتبة ندرة المياه المطلقة بمعدل أقل من 500 متر مكعب للفرد، وذلك دون الأخذ في الاعتبار أي مضاعفات سلبية قد تحدث بسبب السد.

الموقف المصري
وأشار التقرير إلى الموقف المصري، لافتًا إلى أن حديث مصر حول حقوقها القانونية في مياه النيل يرتبط باتفاقية تقاسم مياه النيل 1929، وهي اتفاقية أبرمتها الحكومة البريطانية -بصفتها الاستعمارية- نيابة عن عدد من دول حوض النيل «أوغندا وتنزانيا وكينيا»، والاتفاق الثنائي لعام 1959 بين مصر والسودان.

وبحسب التقرير فإن اتفاقيات مياه النيل لم تخصص أي مياه لإثيوبيا -رغم أنها موطن لمصدر رئيسي- أو الدول الثمانية الأخرى في حوض النيل، التي تتغذى أنهارها على بحيرة فيكتوريا، وتسهم في النيل الأبيض، لافتة إلى أن تلك الاتفاقيات منحت مصر حق الفيتو على مشاريع البناء على نهر النيل وروافده في أي مكان آخر.

وتعليقًا على هذا أوضح جون موكوم مباكو، أستاذ الاقتصاد في جامعة ويبر ستيت، خلال تصريحات لـ«سي إن إن» أنه من المعتقد أن مصر حصلت على هذه الشروط؛ لأن البلاد كانت مهمة جدا للمصالح الزراعية للمملكة المتحدة، ولا سيما حقول القطن فيها، مضيفا أن مصر لا تطالب بحقوقها في مياه النيل لحاجتها فقط، بل تؤمن بأنها تملك حقًا قانونيًا وتاريخيًا لها.

التفاوض المباشر
وركز التقرير على استجابة مصر للتفاوض مع إثيوبيا بشأن السد، فقال «مباكو» إن قرار السلطات المصرية بالتحدث مباشرة مع إثيوبيا يمثل تحولا هاما، موضحًا أنه في مارس 2015، اجتمع رؤساء دول مصر والسودان وإثيوبيا في الخرطوم لبدء المفاوضات حول ملء وتشغيل السد، وتبع ذلك العديد من الاجتماعات، ولكن لم يتم التوصل إلى تسوية.

وسرد التقرير إنه في عام 2017 ومع اكتمال نحو 60٪ من أعمال البناء، انهارت المحادثات ورفعت مصر من حدة خطابها مرة أخرى، لكن هذا العام وافق وزراء الري في البلدان الثلاثة على إنشاء مجموعة دراسة علمية لتقييم أثر السد على التدفقات، وبعد شهر زار رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد «آبي أحمد» مصر وطمأن الجميع بأنه يريد مساعدة التنمية في إثيوبيا دون الإضرار بالشعب المصري.

جهود آبي
وأوضح تقرير «سي إن إن» أنه مع تولي «آبي أحمد» منصبه في أبريل 2018 واكتسب أوراق اعتماده كصانع سلام استباقي من خلال إنهاء الحرب الباردة في بلاده مع إريتريا، فإنه من المتوقع أن يسعى رئيس وزراء إثيوبيا الجديد إلى الانسجام بدلًا من المواجهة مع جيرانه في المنطقة.

وبحسب حديث كيفن ويلر من معهد التغيير البيئي في جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة للشبكة، فإن الوقت الذي ستقضيه إثيوبيا في ملء خزان السد هو قضية حاسمة بالنسبة لمصر، وكان محور المفاوضات الأخيرة، فمن الناحية الفنية، يمكن أن يتم ملء الخزان خلال ثلاث سنوات، ولكن مصر تفضل فترة زمنية أطول من 10 سنوات.

«ويلر» أكد أيضا أن الحسابات معقدة لأن المتغيرات مفتوحة للتفاوض، وبينما تركز إثيوبيا على متوسط هطول الأمطار عند التفكير في حل المشكلة، تفضل مصر التخطيط لأسوأ السيناريوهات، ولكن كلما عملت الدولتان معًا، كلما تمكنت من ملء الخزان بأمان أكبر.

تأجيل مؤقت
كان من المفترض الانتهاء من السد في عام 2017، ولكن بسبب التأخير، لم يكتمل سوى ثلثيه في أغسطس، وتوقفت أعمال البناء عندما اتخذت الحكومة الإثيوبية قرار تركيب التوربينات بعيدًا عن شركة «Metec» المملوكة للدولة، في محاولة للقضاء على الفساد.

لكن التأجيل بحسب «سي إن إن» يعد مؤقتا وبمجرد عودة المشروع الإثيوبي الكبير إلى مساره، سيكون التعاون الوثيق بين إثيوبيا والسودان ومصر أساسيًا إذا كانت هناك إرادة لإبقاء الآثار السلبية للسد إلى أدنى حد ممكن، وسيتطلب الوصول لنتيجة ناجحة ذكاء سياسي وحسن نوايا.
الجريدة الرسمية