رئيس التحرير
عصام كامل

فكري أباظة يكتب: من يعطيني إذن استيراد الأخلاق

فيتو

طاف جميع أنحاء العالم، وفي كل بلد صادف بضائع كثيرة ومختلفة وحين عاد إلى مصر طالب باستيرادها، ففي مجلة المصور عام 1954 كتب الصحفي الساخر فكري أباظة مقالا قال فيه: كنت وأنا طالب في الجامعة أقرأ وأسمع في شوق عن المنابر المنصوبة حول حديقة الهايد بارك بلندن، وبعد سنوات كانت هايد بارك أول قبلتي في لندن حين سافرت إليها.


وعند زيارتي لها وجدت الخطيب يقف على المنبر في هايدبارك يهاجم الأسرة المالكة البريطانية مهاجمة قاسية ويتساءل لماذا لا يجتمع مجلس الوزراء البريطاني لبحث البذخ الذي تعيشه الملكة في تلك الفترة بسبب عرسها.

خُيل إليَّ أن الشرطة ستقبض على الخطيب بتهمة العيب في الذات الملكية كما هو الحال عندنا في مصر، لكني وجدت الشرطي يتجه نحوي وأنا في السيارة ويطلب مني أن أبطل محرك السيارة حتى يتمكن الشعب من الاستماع إلى الخطيب من غير ضوضاء.

وإذا بالمنابر الأخرى خطيب يهاجم سياسة الحكومة، وآخر يدعو إلى استقالة المحافظين، والثالث الكنيسة وكان بين مستمعيه بعض القساوسة.

عدت من هايد بارك وأنا أودع نسمات الحرية وأتمنى أن أستورد هذه الحرية، كان ديوان عربات السكة الحديد محجوزا لأربعة أو ستة ركاب، ففي مصر تجد بينهم ثلاثة يدخنون في الديوان دون مراعاة الآخرين.. لكن في أوروبا فإن أصحاب الكيف لا يملكون ضررا لغيرهم وهناك لافتات تحظر التدخين.. وهذا موجود في إيطاليا.

أما في إنجلترا فالقانون حرمته ولعقوبة المخالفة غرامة خمسة جنيهات على الفور، وفي سويسرا فالأخلاق تقوم مقام القانون، وهناك كنت أشترى كل يوم الصحف دون أن أرى البائع، بل أضع ثمن الصحف على فرشة التاجر بالأمانة شيء مهم في سويسرا.

وأذكر مرة أنني ركبت مع صديق مصري قطار من زيورخ إلى جنيف، واشترينا بعض الطعام والفاكهة، أكلنا وشربنا وألقينا مخلفات الطعام تحت المقاعد كما تعودنا، ثم بدأنا ندخن، لكن جاء الكمساري وبنظرة ذات معنى كانت كافية لأن نطفئ سجائرنا ونقوم بكنس الديوان بأيدينا.

هذه هي بعض الأخلاق التي أريد أن أستوردها من الخارج ما دمنا لا نستطيع إنتاجها في مصانعنا المحلية.
الجريدة الرسمية