رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

«مصر» وكيفية الاستفادة من معرض «الصين الدولي للواردات»


تشارك مصر في معرض الصين الدولي للواردات الذي سيقام بمدينة شانجهاي الصينية في الفترة من الخامس إلى العاشر من نوفمبر 2018، بحضور أكثر من 2800 شركة من أكثر من 130 دولة من القارات الخمس، بينها 200 شركة ضمن أقوى 500 شركة في العالم والشركات الرائدة.


ولا شك أن مثل هذه المعارض الدولية تُعد فرصة مهمة وضرورية لزيادة الصادرات المصرية إلى جميع الأسواق العالمية، لا سيما السوق الصينية التي تبلغ قوامها نحو مليار و300 مليون مستهلك، الأمر الذي سيسهم في تخفيض العجز في الميزان التجاري بين مصر والصين، الذي يميل لصالح الجانب الصيني.

ولعل هذه المناسبة المهمة تثير في ذهني العديد من الأسئلة، من قبيل: هل استعدت الأجهزة الحكومية المختصة الاستعداد الكامل للمشاركة في هذا المعرض الدولي المهم في ظل نهضة مصر الحديثة وما تشهده من إصلاحات في جميع المجالات الاقتصادية والاستثمارية ومجالات البنية التحتية؟

وهل تمت الاستفادة من خبرات الدول والتجارب التصديرية الناجحة؟.. وهل تم تفعيل الاتفاقيات التجارية والاقتصادية المبرمة بين الجانبين المصري والصيني خلال الآونة الأخيرة؟.. وغيرها الكثير من الأسئلة التي تجول بخاطري التي تذكرني بالتجربة الصينية التي كنت شاهدا على ما بلغته من مراحل وتطورات عديدة..

وذلك خلال دراستي ببكين وزياراتي المتعددة للصين منذ عام 1999، ثم عملي كمستشار إعلامي لمصر خلال الفترة من 2009 حتى 2013.

ولعلي أتذكر أنه خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2008، ظهرت جمهورية الصين الشعبية كمنقذ أول للاقتصاد العالمي في ظل تراجع دور الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وقد حقق الاقتصاد الصيني في عام 2017 نموًا بنسبة 6.9% على أساس سنوي، متجاوزا المعدل الذي استهدفته الحكومة للنمو وهو 6.5%، (حسب تقرير مصلحة الإحصاء الصينية الصادر في 18 يونيو 2018).

الذي أوضح أيضًا أن الاقتصاد الصيني حافظ على استقراره خلال عام 2016، لكن الأداء الإيجابي خلال ذلك العام جاء نتيجة الترويج الحكومي للإصلاحات المتعلقة بجانب العرض والإمداد وتطوير حوافز نمو جديدة، في الوقت نفسه توقع البنك الدولي أن ينمو الاقتصاد الصيني خلال عام 2018 بنسبة 6.4%، وبنسبة 6.3% خلال عام 2019.

وكان الاقتصادي الصيني- الذي أصبح ثاني أكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة الأمريكية- حقق في عام 2016 نموا بنسبة 6.7% على أساس سنوي، وهي أدنى نسبة نمو خلال ربع قرن، ومما يميز التجربة الصينية أن بكين التزمت بالتنمية النوعية، بما فيها خلق بنية وهيكلية اقتصادية سليمة وصحية في إطار بيئة أفضل، بدلًا من التركيز على النمو الاقتصادي فقط.

ويرجع نجاح تجربة الصين في مجال تنمية الصادرات إلى العديد من الأسباب، لعل من أهمها: عدم اكتفائها بإصلاح البيئة العامة للتجارة الخارجية من سعر صرف وضرائب وإصلاح جمركي، والاستفادة من الإعلام الاقتصادي والتنموي في الترويج والجودة والتوعية للمواطن الصيني، والأكثر من ذلك أنها اتبعت سياسة جديدة وهي سياسة الاستهداف لضمان فاعلية الحوافز المقدمة وسهولة التنفيذ، التي تمثلت في ثلاثة عناصر، تتمثل في:

(1) إنشاء مناطق جغرافية جديدة: وهي تنقسم إلى نوعين من المناطق:

الأولى، هي المناطق الخاصة: وهي مناطق جغرافية تطبق فيها قوانين أكثر انفتاحًا وتعتبر مناطق ذات إدارة اقتصادية مستقلة في مجالات العمل والاستثمار، التسعير والضرائب، حرية التعامل مع الاستثمار الأجنبي، موانئ التجارة الدولية، ويُعد تأسيس المناطق الاقتصادية الخاصة خطوة أولى مهمة في انفتاح الصين على الاستثمار الأجنبي، وترتب عليها أيضًا تزايد اندماج الصين في السوق الدولية..

وهو ما يساعد ليس فقط على تصدير المنتجات الصينية، إنما أيضًا الإسراع في استيراد الصين للمواد الخام والمنتجات الوسيطة اللازمة (مثل المنطقة الاقتصادية الخاصة في شنتشن)، علاوة على ذلك– وهو الأهم – تحول المناطق الاقتصادية الخاصة في الصين في الوقت الحالي لتصبح بمثابة "الحاضنات" لكثير من التقنيات الناشئة، وهذه المناطق الخاصة لا تزال ذات قوة كامنة كبيرة للتنمية في مستقبل الصين.

أما الثانية، فتتمثل في مناطق التجارة الحرة: وهي تهدف إلى زيادة درجة الانفتاح على العالم الخارجي وجذب الاستثمارات الأجنبية، وهي عبارة عن مناطق خاصة صغيرة تُقدم فيها تسهيلات للوصول إلى الأسواق الخارجية، وتشرف على الخدمات الجمركية وتطبق سياسات تعريفية خاصة.

(2) جذب رءوس الأموال الأجنبية:
وذلك بهدف تشجيع الصادرات بربطها بتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر في صناعات التقنية عالية الجودة، وتشجيع الشركات الأجنبية على إنشاء مقار إقليمية ومراكز لتدريب العمالة الصينية وكذلك تقديم عدد من الحوافز، منها عدم فرض أي قيود على اختيار القطاعات الإنتاجية، إضافة إلى تبسيط الإجراءات الإدارية المتعلقة ببدء النشاط والعمالة والأجور وغير ذلك من الأمور التي تشجع على الاستثمار.

(3) زيادة الكفاءة الإنتاجية للمصدرين:
من خلال توفير قروض تمويل للمشروعات وإنشاء شبكات للإنتاج التصديري، وذلك بربط الشركات الكبرى بعضها ببعض، خاصة تلك التي تعمل في المجال نفسه وتقديم الدعم لها لتشجيعها على التطوير والابتكار واستيراد التكنولوجيا المتقدمة، بالإضافة إلى التدريب المستمر لرفع المستوى التقني للعمال والمتخصصين مع العمل على تسهيل وضمان إمدادات المواد الخام والطاقة وتوفير البنية التحتية والخدمات اللوجيستية وإعفاء واردات السلع الوسيطة المخصصة للإنتاج التصديري من الرسوم الجمركية.

ولعل من أهم الخطوات التي اتخذتها الحكومة الصينية في مجال تنمية الصادرات، تتمثل في توظيف الإعلام الاقتصادي من خلال البرامج التليفزيونية والإذاعية والاستفادة من جميع وسائل الاتصال المقروءة والمسموعة والمرئية، وأيضًا الإعلام الجديد بغرض توعية المواطن الصيني بأهمية تحقيق أعلى كفاءة إنتاجية ممكنة من خلال التحديث المستمر لمراحل العملية الإنتاجية..

والعمل على زيادة القدرة التنافسية في الأسواق الخارجية، والعمل على تنمية الموارد البشـرية وزيادة إنتاجيتها باستمرار بواسطة المؤسسات المتخصصة في تدريب رجال الأعمال في مجال التجارة الخارجية والتعاون الاقتصادي مما أدى إلى استيعاب وتطوير التكنولوجيات المختلفة.

إن الطفرة الهائلة التي حققتها الصين في مجال تنمية الصادرات التي تعكسها أرقام الصادرات الصينية إلى العالم الخارجي، لم تأت من فراغ، إنما كانت نتيجة أسس وسياسات اقتصادية مرسومة ومطبقة بدقة على أرض الواقع.

فطبقًا لبيانات صدرت في يناير 2018 عن مصلحة الجمارك الصينية عن أحوال الاستيراد والتصدير عام 2017، ارتفع حجم التجارة الخارجية الصينية بنسبة 14.2% على أساس سنوي، ليصل إلى 27.79 تريليون يوان (4.28 تريليون دولار أمريكي) في عام 2017، كما ارتفعت صادرات الصين بنسبة 10.8% لتصل إلى 15.33 تريليون يوان، بينما ارتفعت وارداتها بنسبة 18.7% لتبلغ 12.46 تريليون يوان في عام 2017.

ومن هنا، وللاستفادة من هذه التجربة، فإن على الأجهزة الحكومية ذات الشأن أن تعمل على مساعدة المُصدِر المصري، خاصة أن العلاقات المصرية- الصينية شهدت نموًا كبيرًا خلال الأربع سنوات الماضية في مختلف المجالات، بما أسهم في تعزيز قدرة البلدين على مواجهة المتغيرات الداخلية والإقليمية والعالمية، إضافة إلى أن مصر تعد أهم شريك إستراتيجي للصين في منطقة الشرق الأوسط.

ولدى مصر فرصة كبيرة للدخول والمنافسة في السوق الصينية والاستفادة من مشروع تطوير محور قناة السويس وتكلفة الشحن المنخفضة للمنتجات المصرية مقارنةً بالمنتجات الأوروبية المنافسة، والحرب التجارية الأمريكية- الصينية.

فطبقًا لبيان الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات المصرية في سبتمبر 2018 حول أهم (٢٠) سلعة صناعية من الصادرات المصرية غير البترولية خلال شهر يوليو من العام ذاته، تصدّر الكيروسين المصنع قائمة هذه السلع يليه اليوريا، والذهب، ثم شاشات التليفزيون والـLCD، والنفط المكرر، تلاها في القائمة المازوت، ومخاليط المواد العطرية ثم البولي بروبيلين، والميثانول، وملابس الرجال، ثم البولي إيثيلين، ومنتجات مسطحه مرقفة بالأسطوانات، وأجهزة الاستقبال، والكابلات، ثم القمصان، ورقائق الألومنيوم، والأقمشة غير المنسوجة، وجاء في نهاية القائمة زيوت النفط، والأثاث، وألواح وصفائح وأغشية الأفلام.

فضلا عن ذلك، يعد معرض الصين الدولي للواردات بشانجهاي فرصة هائلة أمام الجانب المصري لاستعراض جميع الإنجازات الاقتصادية والتنموية للحكومة المصرية في مجالات الصناعة والتجارة والاستثمار والسياحة وغيرها، خاصة أن مصر تم اختيارها من جانب الحكومة الصينية كضيف شرف للمعرض، وهو ما يعني أن مصر ستكون محط أنظار جميع الدول المشاركة في المعرض.

وفي الختام، أتمنى أن نكون مستعدين الاستعداد الذي يليق بمصر للمشاركة في معرض الصين الدولي للواردات بشانجهاي في نوفمبر المقبل، بما يعود بالفائدة على الاقتصاد المصري وتحسين صورة المنتج المصري أمام العالم... وتحيا مصر.
Advertisements
الجريدة الرسمية