رئيس التحرير
عصام كامل

حسن زايد يكتب: التحرش الجنسي بين التنظير الفكري والواقع الاجتماعي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

ليس هناك تعريف علمي دقيق للتحرش الجنسي، يتسم بكونه جامعا من ناحية، ومانعا من ناحية أخرى، رغم كثرة الدراسات والأبحاث الأكاديمية، والدراسات الميدانية التي تناولت هذا الموضوع؛ فبعضها قدم له تعريفًا مقتضبًا، إلا أنه مشوب بالاختصار المخل، وبعضها قدم تعريفًا فضفاضًا، ضم إليه ما ليس منه.


ولذا فإنني أرى أن التعريف الأكثر دقة ومباشرة من وجهة نظري هو التعريف اللغوي القاموسي، الذي عرف التحرش الجنسي بأنه: "محاولة إثارة المرأة وإغرائها، بقصد الإيقاع بها جنسيًّا".

وقد قدمت منظمات حقوق الإنسان، والمنظمات الأهلية الدولية، تعريفًا هو الأشد تعبيرًا عن التعريفات الفضفاضة، حيث عرفت التحرش الجنسي بأنه: " هو القيام بتوجيه أي نوع من الكلمات غير المرحب بها، أو القيام بأفعال لها طبيعة أو إيحاء جنسي مباشر أو غير مباشر، وتنتهك السمع أو البصر أو الجسد، وتنتهك خصوصية فرد أو مشاعره، وتجعله لا يشعر بالارتياح أو يشعر بالتهديد أو عدم الإحساس بالأمان والخوف، أو شعوره بعدم الاحترام والترويع والإساءة والإهانة، والانتهاك والشعور بدناءة الفعل والفاعل".

ولو تجاوزنا مسألة التعريف، ورصدنا الأشكال التي يتبدي فيها التحرش الجنسي، لوجدنا أنها تتمثل في: التحرش باللمس، التحرش بالنداءات والإيحاءات ـ التحرش بالتعليقات ـ التحرش بالملاحقة والتتبع ـ التحرش بمكالمات الهاتف، التحرش بالتعري، التحرش بالتصريح ـ التحرش باستخدام الصور الجنسية ـ التحرش بالاهتمام الزائد ـ التحرش العنيف والاغتصاب ـ التحرش الجماعي.

والتحرش ليس له مكان معين يتم فيه، فمن الوارد حدوثه في أي مكان، فقد يحدث في الأماكن العامة كالنوادي، والشوارع، والمدارس، والجامعات، والمواصلات، والأسواق، والمطاعم، والمولات التجارية، والبيوت، وأماكن العمل، أو باستخدام الهواتف، ومواقع التواصل الاجتماعي، وقد يحدث التحرش على نحو فردي أو جماعي، وقد يحدث من الرجال أو النساء.

أما عن مواجهة هذه الظاهرة، فقد اختلفت وجهات النظر وتباينت. ففي الدول المتقدمة، حيث احترام القانون، يتم مواجهتها بالقانون دون مواربة، أما الدول النامية أو المتخلفة أو دول العالم الثالث، حيث يقل احترام القانون، أو يكاد ينعدم، فيصعب مواجهتها من خلاله. وبعض جمعيات حقوق المرأة تري إنتاج أفلام مناهضة لهذه الظاهرة، وتوزيع المنشورات، واستخدام الصواعق الكهربية، ورياضة الدفاع عن النفس. والضغط في اتجاه تغليظ العقوبات على المتحرشين.

ويعتبر البعض أن عدم الإبلاغ عن وقائع التحرش هو قصور من جانب المرأة، خوفًا من الفضيحة أو حدوث مشكلات، قد يكون سببًا في انتشار الظاهرة.

وأنا أرى، إزاء عجز القانون، ليس لضعف العقوبة وتهافتها، وإنما لكثرة أدواته وإجراءاته ومتطلباته، وقشرية الوسائل الأخرى وسطحيتها المفرطة، لأنها تعالج الجوانب السطحية الشكلية من المسألة، دون الخوض في الأغوار بحثًا عن الأسباب الحقيقية لها، لأن التشخيص الصحيح يفضي إلى العلاج الناجع دون آثار جانبية مدمرة.

والعلاج الناجع لهذه الظاهرة يبدأ من دراسة الأسباب البيولوجية، والنفسية، والاجتماعية، الحقيقية. والوقوف على مرجعيتها وتدقيقها، وحتى يمكن الوقوف على إجابة حتمية واجبة لتساؤل مؤداه: هل هذه الظاهرة مرض أم عرض؟.

تقف الغريزة الجنسية وراء التحرش الجنسي، ويتوقف نشاطها على مجموعة من العوامل النفسية والعضوية. يقول دوجلاس توم "إن كثيرا من أنواع الصراع العقلي والشذوذ النفسي التي نشاهدها اليوم في الكبار والصغار على حد سواء ترجع بصورة مباشرة إلى المواقف والخبرات السيئة في الأمور الجنسية. وليس هناك من قوة في الدنيا وفي الحياة الفعلية بأجمعها أكثر من تلك القوة إلحاحا في سبيل الظهور على أي شكل من الأشكال، كما أنه ليست هناك أية قوة أو غيرها تلقى من عنت الجماعة والفرد والأسرة في التضييق على حريتها وإحاطتها بالقيود قدر ما تلقى الميول الجنسية من عنت وتقييد" (علم نفس النمو: حامد عبدالسلام زهران – 1997).

وعجز العلماء عن تحديد سبب عضوي له علاقة بالتحرش، إلا أنهم وقفوا من خلال دراسة البيئة والتعلم الشرطي على أسبابها غير العضوية. وقد حصروا عشرين سببًا لها، وتصوروا طرقًا علاجية نفسية واجتماعية لهذه الظاهرة.

فإذا التجأنا للقرآن الكريم وجدنا أمرين؛ الأول: يتمثل في عدم الخوض في الأعراض إلا بشروط وضوابط محددة، وإن حدث نكون ممن يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، وما أدراك ما الفاحشة؟

الثاني: ويتمثل في غض البصر وحفظ الفرج بين طرفي المعادلة، الذكر والأنثي. وإجمالًا التربية الجنسية من رب الناس للناس، لأنه الأعلم بمن خلق، وهو واضع "كتالوج" صنعته.
الجريدة الرسمية