رئيس التحرير
عصام كامل

رجاء النقاش يكتب: الثقافة أولا والتجارة بعد ذلك

رجاء النقاش
رجاء النقاش

تحت عنوان "كيف يولد الأديب" كتب رجاء النقاش مقالا في مجلة روز اليوسف عام 1959 قال فيه:

"منذ ثلاثين سنة تقريبا ظهر توفيق الحكيم في حياتنا الأدبية، ولم يظهر بمقال ولا بقصة قصيرة، وإنما ظهر بمسرحية كاملة ناضجة هي "أهل الكهف".. لذلك ولد توفيق الحكيم كبيرا واهتمت به الأوساط الأدبية في ذلك الحين على أنه كاتب قد أعد نفسه إعدادا كاملا وخرج من دور التجرِبة".


وتابع: "قد تبين بعد ذلك أن الحكيم قد أتم بعض أعماله الأدبية المهمة، مثل روايته الرائعة "عودة الروح" التي كان قد أتمها فعلا عام 1927.. بينما هو نفسه لم يظهر إلا في سنة 1933، وكذلك ظهر يحيى حقى، ولد فنانا كبيرا عندما أصدر منذ أكثر من 15 سنة روايته "قنديل أم هاشم" التي ما تزال من أرقى أعماله الفنية أن لم تكن أرقاها جميعا".

وأضاف "النقاش": "ذلك كان أيام زمان أما الآن فالأديب يولد عندنا بالقطاعى، فهو يبدأ أولا بنشر مقالاته أو قصصه أو قصائده، وشيئا فشيئا يعرفه الناس، ربما في سنة، وربما في خمس سنوات، وظهور الأديب بالقطاعى مسألة ضارة بالأديب وبالحياة الادبية ذلك لأن الأديب سيعرض تجاربه ومحاولاته الأولى على الناس، ومن الأفضل أن تكون هذه التجارِب والمحاولات سابقة على ظهور الأديب، حتى يكون بعيدا عن تأثير عوامل الخداع المؤقتة التي تتصل بالنشر".

وأردف: "فقد ينشر الأديب أشياء رديئة أو متوسطة، وقد تلقى هذه الأشياء رواجا عند بعض القراء، فيكون ذلك ضارا بمستواه إلى أبعد حد، لكن الأديب عندما يحاول أن يصقل موهبته بعيدا عن الأضواء فإنه لا يتأثر بعوامل الخداع المؤقتة أبدا.

كما أن الأديب الذي يظهر بكتاب كامل أو ديوان شعر أو رواية أو مجموعة قصصية أفضل بكثير من ذلك الذي يقدم إنتاجه الصغير أولا بأول إلى القراء".

وواصل قائلا: "ولقد شعرت بهذه المشكلة وأنا أقرأ كمية من القصائد المخطوطة للشاعر عبد الرشيد الصادق فهذا الشاعر الذي قدمته روز اليوسف منذ أسابيع يكتب دائما ولا ينشر، تمنيت أن يظهر هذا الشاعر بديوان كامل بدلا من تقديم نفسه على طريقة التجزئة المعروفة، وتمنيت أن يولد عندنا كثير من الأدباء بهذه الطريقة".

واختتم "النقاش" مقاله قائلا: "لكن المسألة صعبة جدا لأنها بحاجة إلى دور نشر شعارها الثقافة أولا والتجارة بعد ذلك".
الجريدة الرسمية