رئيس التحرير
عصام كامل

مؤمن وأيمن.. توءم سوري تجاوزا آلام الحرب ببيع الحلوى في مصر (فيديو وصور)

فيتو

بملامح بريئة وصفاء نفسي راق ما زال الأمل يحدوهما.. يستقبلان المترددين على أحد المطاعم الشهيرة بشارع الكورية في حي مصر الجديدة، وبلهجة شامية أصيلة يعرضان بضاعتهما وما يحملان من حلوى ومعجنات وأطباق من الهريسة السورية الطازجة، تتبعهما أعين المارة مع بعض عبارات التحفيز أو المداعبة بين حين وآخر.


"أيمن ومؤمن" توءم ذو ثماني سنوات، قدما إلى مصر برفقة والدهما السيد حسان واختارا شارع الكورية لبيع ما تسهر على صناعته الأم في المنزل من حلوى شامية ينقلها الأب بسيارته من مسكنهم في منطقة زهراء مدينة نصر، ليبيعها في هذا المكان الذي وقع عليه الاختيار لكثرة المارة به.




منذ نحو أربعة أعوام جاء حسان صاحب مصنع حديد بمنطقة ريف دمشق وتحديدًا الغوطة الشرقية، بعدما طالت نيران الحرب بيته ومصنعه فلم يعد له شيئًا يدفعه للبقاء في المدينة الخربة، يقول الأب: "أولادي كلهم بسن الطفولة وما كان بينفع اتركهم يعيشون بأجواء الرعب والحرب طوال الوقت"، لم يجد بدًا من البحث عن مصدر يدر عليهم دخلا بعد أن أرغمته الحرب على ترك إدارته لمصنع الحديد بالشام، ليصبح الآن مضطرًا لتعلم صناعة الحلويات والمأكولات الشامية الأصيلة، التي لا تخلو بيوت الشام من السيدات المهارات في صناعتها، ولكن الآن، أصبح على السيد حسان أيضًا إتقان هذه الصنعة.



بحي مصر الجديدة يمكثون، ليكون بديلهم عن بلدهم الأول سوريا "مصر هي بلدنا التانية، عم بنحس إن نحنا بسوريا بس لما ننزل لمصر"، هكذا يصف الأب وأطفاله حالهم وحلمهم بلم الشمل بعد أن كان تجمع العائلة التي كانت ملاذهم الأول لمواجهة العالم في بلدتهم الصغيرة بسوريا، وأصبح كل فرد بالأسرة في بلد مختلف بين ألمانيا ومصر وتركيا، ولكن ما ساعد السيد حسان وصغيريه على التحمل، هو حُسن الاستقبال بمصر، والراحة النفسية بين أهلها.



"البنات للدراسة، والولاد يجمعون بين العمل والدراسة"، هكذا وصف السيد حسان حالة منزله المتواضع بمصر الجديدة، وبسيارة بنية اللون، وقرتي عينيه "مؤمن وأيمن"، إذ يبيعون الحلوى السورية "الهريسة السورية والجلاش"، كذلك بعض المعجنات المصنوعة بالتوابل والزعتر الشامي الذي يحمل الرائحة السورية لثنايا قاهرة المعز، ويمكن السر في طلب الأب حسان من ولديه الصغيرين العمل معه، هو كونهما ملفتين للنظر، قادرين على جذب الزبائن بأسلوبهما الطفولي رقيق القلب، وليكونا عونًا لوالدهما في غربتهم.. وهما بعد الظهيرة في العمل، في الصباح بالمدرسة. 



لسبع ساعات يعمل الطفلين "مؤمن وأيمن"، دون كلل أو ملل أو إرهاق، فالعمل نهجهما الأول الآن، الأمر لم يكن متيسرًا بالبداية، فوجد الطفلان حالهما شأن أقرانهما، محبين للعب والاستمتاع بسن الطفولة، ولكنهما تغلبا على هذا الإحساس في وقت قصير، حتى أصبح العمل لها ممتعا لهما "عم بتعب من كتر ما بروح وبيجي، بس مابحس بشيء لأني عم ساعد أبي"، وهكذا يبرران حبهما للعمل.



نقص المعدات ورأس المال، كان العائق الذي واجه السيد حسان وصغيريه لفتح محل وبيع منتجاتهم اليدوية بها، وكان البديل سيارتهم البنية عتيقة الموديل وتراثية الشكل، والتعاون بين الزوج والزوجة، كان الطوق الذي توج نجاح المشروع الصغير.. فأصبح صانعا جيدا للحلوى، ويقول عن حالة بلهجته الشامية "لما بتنحطي بموقف صعب لازم تتصرفي وإلا كنا راح نجوع"، وتفوقت زوجته في صناعة المعجنات مختلفة النكهات والأنواع، ويرجع ذلك للعادات السورية العتيقة، التي تكمن في كون المرأة صانعة ماهرة في المعجنات والحلويات المنزلية كافة، حتى لا تحتاج للشراء من خارج البيت.



بمنزل صغير يمكث بزهراء مدينة نصر يبدأ العمل، ففي الصباح الباكر يبدأ "الحلونجي" الماهر، وزوجته النابغة، في صناعة مأكولات اليوم بين "الحلو والحادق"، أما الصغيران يبدآن دراستهما في المدارس السورية الموجودة بشوارع المحروسة، أم العجين فيتم تجهيزه مع بداية الليل، وخلال الساعات الأولى لليوم التالي، يُعدون لعمل اليوم، ويضعون لمساتهم الأخير بعد الظهيرة بساعات قليلة، ليسقبل السيد حسان طفليه عائدين من المدرسة، ويخلعان ثياب الدراسة، ويلبسان من جديد ثوب الرجل الصغير، القادر على تحمل مسئوليته في عمر لم يتجاوز الثامنة.
الجريدة الرسمية