رئيس التحرير
عصام كامل

في أيام العيد..«مقابر الغفير» سبوبة الأحياء في أحضان الأموات (صور)

فيتو

عندما تصل إلى مقابر الغفير بصلاح سالم، تشعر بالوحدة، وكأن الموت أخذ أرواحا من تحت التراب، وما فوقها أيضا، فلا تجد سوى الصمت يخيم على المكان، فلكل شخص شأن يلهيه في هذه الحياة الفانية لا يجعله يتوافد كثيرا لزيارة أحبته وأقاربه، إلا في المناسبات، فهناك فقط "الأحياء الأموات" يقطنون بجوار الموتى ويعتبرونهم مؤنسهم في الدنيا، فعندما يقبل العيد بنسماته ينتظر المجاورين للموتى الزائرين لكي يقدموا لهم العطايا على أرواح جيرانهم الأموات.


يعيشون في أشباه بيوت بين رفات الموتى، فهو ملاذهم الآمن ومأواهم الذي لا يجدون بديلا عنه، ينامون على فُرش باليه وبيوت تالفة تكاد تسقط فوق رءوسهم، وعلى الرغم من ذلك فهى مسكنهم الوحيد، ومنهم من يفترش الأرصفة كل يوم منتظرين أحد الزائرين ليحن عليهم ويعطيهم على حسب قدرته واستطاعته، رحمة على روح من يزوره، وتغمض جفونهم في سواد الليل ويستيقظون ليستكملوا أيامهم المتشابهة.

فعند قدوم العيد هو أكثر أيام سعادتهم، لما يلاقونه من تواجد مكثف للزائرين على المقابر في ظل الفرحة العارمة على وجوههم، والتي تسمى بهجة المقابر، بجوار الموتى، والتي من خلالها يتوافد العديد من الأسر على مقابر موتاهم ليترحموا عليهم ويزورهم في أيام العيد بالتحديد، والتي أصبحت طقوسا لا بد منها في أوقات البهجة بين الأحياء فقط، إلا أنهم يفضلون الذهاب للأموات والترحم عليهم، بوجوههم الممتلئة بالحزن على فراق أحبتهم، الذين تركوهم ورحلوا عن عالم الفناء، ليتخذوا مساكنا أخرى بجوار ساكني المقابر بأجسادهم الفانية.

تحرص العديد من الأسر على اصطحاب أطفالها ليعيشوا بين الحزن والبكاء، تاركين فرحة العيد على أبواب المقابر، يحملونهم الهموم بغير ذنب جنوه، فهم لم يألفوا الحياة كألفتهم للموت، منتظرين البهجة أن تأتي إليهم في أحواش المقابر، بجوار رفات الموتى.

شوارع اعتادت أن تدب فيها الحركة والضجيج بضعة أيام فقط في العام، فلا تجد سوى بعض الباعة يفترشون الأرض في حر الصيف الحارق، يأملون في شراء بعض بضاعتهم، ليوفروا منها ثمن مأكلهم، رافعين شعار «الرضا» بالرغم من كل شيء، بالبساطة تحف كل الأشياء، وكأن زهد الأموات يفيض من مقابرهم ليغطي ساكني القرافات وأحواش الموتى.

يتلاقى الجميع زوار وسكان لتبث في المقابر روح الألفة والضجيج الذي لا يصدر منه شيئا باقي أيام العام، لتتحول المقابر من هدوء وصمت يملأها إلى أصوات البهجة والسرور بقدوم العيد، وسرعان ما يرحل الكل بعد انتهاء زيارتهم مودعين الموتى في مقابرهم نائمين في سباتهم، وجيرانهم التي تأويهم الأحواش بجوار المقابر في يوم عيدهم.

الجريدة الرسمية