رئيس التحرير
عصام كامل

الوزير المخفي... والوزيرة المخفية


يخرب بيت شيطانك يا جدع... لحظات كثيرة مرت عليَّ حاولت فيها استدعاء شيطاني هذا لنتحاور سويا.. أدخل إلى رأسه علني أقرأ أفكاره، أو أطلع على هوى نفسه.. أو أستبين ما تخفيه سريرته.. هذا الشيطان الذي يأتي بالأفكار المبدعة والحلول اللوذعية... والشطحات غير المتوقعة... فتهبط الأفكار من عليائها وتفلت من مكامنها.. لتصبح حلولا جهنمية لمعضلات عويصة.. ظننت كل الظن ألا حلول لها!


ركزت.. وقَدحت زناد فكري واستدعيت شيطاني العبقري بحثا عن حل لمشكلة حالة الخصام والانفصام والتباعد القائمة بين تصريحات الوزراء الوردية ومعاناة المواطنين الفعلية.. وبحثا عن مساحة في منتصف الطريق تلتقي فيها أوهام المسئولين الذين يظنون أنهم جابوا التايهة  لمشكلات المواطن.. وبين الحقيقة المرة.. والواقع الأكثر مرارة الذي يعيشه المواطن حرفيا لو دفعه حظه العثر لقضاء مصلحة في أي وزارة.. أو جهة حكومية...

ما إن تجلى شيطان أفكاري حتى بدا متجهما، عابس الوجه، مكفهر الملامح... وانفجر في وجهي صارخا.... عاوزة مني إيه.. ومستدعياني ليه؟؟

قلتله... كلمتين ورد غطاهم.. وارجع أقعد مع إخواتك... بس قولي الأول إزاي كل وزير يحس بالمواطن.. ومعاناته.. وإزاي يشوف الحقيقة وياخد قرارات صح... تخلي المواطن المصري يعيش بكرامة.. ويبطل يلعن في ظروفه وحظه الأسود.. ويبطل يكره الحكومة وموظفينها؟

قال شيطاني: بسيطة أوي.. فاكرة زمان كتاب ألف ليلة وليلة؟

قلت: فاكراه يا فالح.. ماله؟

قال شيطاني: فاكرة لما الملك كان بيحب يعرف الناس بتقول عليه إيه.. والوزير والولاة بيحكموا إزاي في البلاد؟

قلت: كان بيتخفى وبيلبس لبس تاجر.. أو عابر سبيل.. وينزل الأسواق ومعاه اتنين تلاتة من أتباعه متخفيين زيه.. ويعيش في البلد كام يوم.. فيعرف الحقيقة.

قال: الله ينور عليكي.. يبقى السادة الوزراء يبطلوا يعتمدوا على التقارير.. ويتخفوا ويسيبوا المواكب الملكية بتاعتهم.. ويسيبوا عربياتهم الفارهة.. والحراسة الوهمية اللي حواليهم.. وكل واحد منهم يجرب يروح يقضي أي مصلحة في أي إدارة تابعة لوزارته على أنه مواطن عادي أو مواطنة عادية ليها مصلحة... ويشوفوا قراراتهم وموظفينهم بيعملوا في الناس إيه؟ ساعتها يقدروا يشوفوا الحقيقة.. ويأخدوا قرارات صحيحة... ويبقوا عملوا شغلهم بجد.

وبنبرة الخبير في بواطن الأمور قال شيطان أفكاري: بالك انتي لو الدكتورة غادة والي لبست عباية وطرحة كده وجربت تروح تطلع ورق علشان تاخد معاش، هتطلع سلالم كتير على رجلها وتروح لمدام عفاف المسئولة تقولها هاتيلي ورق وإثباتات إنك أنتي! 

وهتشوف بعينها الموظفين والروتين وهم بيطلعوا عين أصحاب المعاشات، وهتعرف أن ورقها علشان يخلص لازم تدفع، وهتشوف يعني إيه علشان تاخد معاش يبقى لازم تقف من الساعة ستة الصبح على رجليها في طابور في الحر مع ناس كلهم فوق الستين.... فيهم المرضى، وفيهم المهدود حيله، وأغلبهم مرضى سكر محتاجين أماكن انتظار آدمية فيها دورات مياه.

قاطعت شيطاني قائلة: طب فين خدمة توصيل المعاش للبيت اللي قالت عليها؟

رد شيطان أفكاري: خليها تجرب وتبقى هي تعرف الحقيقة.

وتركني لتخيل بقية السادة الوزراء هيعملوا إيه لو فعلا قرروا يتخفوا  ليعرفوا حقيقة ما يدور في وزاراتهم، وما يفعله الموظفون في الناس، وللحديث بقية.
الجريدة الرسمية