رئيس التحرير
عصام كامل

في ذكرى وفاته.. لماذا تقدس الجماعة الإسلامية سيرة اللواء أحمد رأفت؟

مباحث أمن الدولة
مباحث أمن الدولة

في مثل هذه الأيام من شهر أغسطس عام 2010، رحل اللواء أحمد رأفت، نائب رئيس جهاز مباحث أمن الدولة عن دنيانا، وصاحب فكرة المراجعات الفكرية، ترك الرجل مجموعة من النجاحات والتفاعلات الإنسانية التي لن تعوض، بعدما روض وحوش الجماعة الإسلامية، الذين توغلوا في العنف وأراقوا الدماء، وجعل منهم كائنات مستأنسة، وشارك في هدايتهم للطريق الصحيح.


كان رأفت يخطط لوقف بحور الدماء، التي غلفت صراع الدولة مع الجماعات الإسلامية العنيفة، قدرت الخسائر البشرية وقتها بـ«20 ألف مصري»، وبالتالي كان إقناع القيادات الأمنية والسياسية، في ذلك التوقيت أمرا في منتهى الصعوبة.

تحامل الكثيرون على الرجل واعتبروا مبادرته تخاذلا لا يمكن تصديقه، من قائد شرطي يعمل بأقوى جهاز أمني في البلاد، وتحمل فاتورة كبرى من رجاله في مواجهة جماعات التطرف، التي شاركت في اغتيال الرئيس السادات، وكانت خلف تدبير عملية استهداف الرئيس الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا بإثيوبيا، ومن اتجاه آخر كان البعض يرى أن الجماعة الإسلامية لن تسلم، وستستمر في طريقها العنيف انتقاما لمن قتل منها على يد أجهزة الأمن.

يقول الدكتور ناجح إبراهيم، أحد الرموز التاريخية للجماعة الإسلامية: «أصدرت الجماعة الإسلامية بيانا مفاجئا غير مسبوق تعلن فيه عن وقف عملياتها القتالية ضد الحكومة المصرية وتوقف كذلك كل البيانات المحرضة على العنف دون قيد أو شرط ومن جانب واحد.

كان البيان من وجهة نظر «إبراهيم» بمثابة الحجر الذي ألقى في بحر المياه الراكدة، ورغم ذلك لم يتحمس اللواء حسن الألفى وزير الداخلية وقتها للتجاوب مع هذا البيان، الذي كان يمثل إغراء كبيرا للحكومة المصرية، وظن المبادرة خداعا إستراتيجيا لكسب الوقت واستوحى هذا التصور السريع من تجربة «رأس الذئب الطائر» التي ابتكرها اللواء عبدالحليم موسى، وزير الداخلية الذي حاول التفاهم والحوار مع الفكر الجهادي، فهاجمه الإعلام بضراوة، ونتج عن ذلك إزاحته عن منصبه.

كان اللواء أحمد رأفت صغير الرتبة نسبيا في ذاك التوقيت، ولكنه كان مخضرما ومشهودا له بالكفاءة في عمله، لذا ارتقى سريعا في سلم القيادة وأمسك بزمام مناصب ومهام يخاف منها من هو أكبر منه سنا، وأكثر منه خبرة وأقدمية، كما يقول ناجح إبراهيم.

وتابع: جربت الجماعة فرص الحوار والتفاهم والتصالح مع الحكومة المصرية خمس مرات، وباءت جميعها بالفشل؛ كنا نشترط في كل مرة إطلاق سراح المعتقلين، وهو الشرط الذي كانت ترفضه الحكومة، ومع تكرار الرفض تعلمت الجماعة درسا، وفي المبادرة الأخيرة أعلنت وقف العنف دون قيد أو شرط.

يستكمل القيادي التاريخي للجماعة الإسلامية: كان اللواء أحمد رأفت حصيفا، لم يتدخل يوما فيما نكتب، أو يطلب تغييره، وكان أسهل بكثير من الضباط الصغار الذين يناقشون عادة في الفرعيات، لأنه اهتم بالإستراتيجيات الكبرى في هذا المشروع، وعمل في صمت ورفض تسريب ما يجرى للإعلام، حتى لا يفسد المبادرة ويجهضها كما أجهض من قبل محاولة الوساطة التي قام بها الشيوخ الشعراوى والغزالى والعوا وغيرهم مع وزير الداخلية الأسبق عبدالحليم موسى، وفشلت التجربة في النهاية.

يكشف إبراهيم تفاصيل ما حدث قائلا: بدأت المحاضرات بالسجون في وقت قاتل عقب أحداث 11 سبتمبر، وكان العالم كله مشغولا بالحدث، إلا أنه كان يستعد لأمر مختلف.

في الطريق من القاهرة إلى سجن الوادى الجديد، نزلت أفراد الجماعة في مسجد ما زال ناجح إبراهيم يتذكره، ويحرص على الصلاة فيه، يقول: إذا مررت بالطريق أتذكر الحدث وتفيض مشاعرى، كان أول مسجد أصلي فيه خارج السجون.

كان اللواء أحمد رأفت أول رتبة كبيرة في الأمن السياسي، يتحدث إلى قرابة أربعة آلاف معتقل في فناء السجن، دون حراسة مسلحة وتكرر ذلك كثيرا، بما يكشف الكثير عن شخصية الرجل، الذي كشف الكثير عنها أيضا المهندس حمدي عبد الرحمن، القيادي بالجماعة، مؤكدا أن الأمن كان يعاملهم بشكل راق، ولم يشعرهم أبدًا أنهم الطرف الضعيف أو المنهزم أو المنكسر.

ويضيف: لم يطلب منهم أي طلبات، ولم يفرض عليهم أي شروط، وكان ردا عمليا على بعض الذي تفرغوا من الجماعة للطعن في الأمن والتأكيد أنه سيذل الجماعة، وسيأخذ كل شيء ولن يعطيهم في المقابل أي شيء، وهو ما لم يحدث على حد وصفه، بسبب وجود شخص بذكاء وإنسانية اللواء أحمد رأفت، لتنهي الجماعة ملف العنف والدماء منذ تلك السنوات وحتى الآن، باستثناء بعض الفئات التي ضلت الطريق وشذت عن الاتجاه الصحيح.
الجريدة الرسمية