رئيس التحرير
عصام كامل

الفراغ الحكومي في لبنان وسياسة «عض الأظافر»


الفراغ الحكومي في لبنان قارب على استكمال شهره الثالث وسط اتهامات من قبل جميع الأطراف السياسية بأن هذا الطرف أو ذاك وراء تعطيل الحكومة، والحقيقة أن القراءة السياسية الهادئة، والمتابعة الدقيقة لما يحدث في لبنان يشير إلى أن تعطيل الحكومة مُتعمد، وأن هناك مكاسب من هذا التعطيل، السبب التقليدي الذي يجري على لسان كثير من اللبنانيين في حال سألتهم عمن يقف وراء التعطيل هو أن التعطيل خارجي.


اسأل مناصرا لتكتل 8 آذار (تكتل لبنان القوى أو التيار الوطني سابقا، حزب الله، حركة أمل والتيار الناصري) سيقول لك إن "السعودي" و"الأمريكي" هما السبب في إشارة إلى المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.. واسأل قوى 14 عن سبب التعطيل سيقول لك إن "الإيراني" هو السبب في إشارة لإيران.

 الوزير السابق وئام وهاب– رئيس حزب "التوحيد العربي"- أشار إلى أن الحكومة لن تتشكل حتى توافق سوريا، متصورا أن بشار الأسد الذي كان كرسي عرشه في مهب الريح منذ سنوات قليلة يتحكم الآن في تشكيل الحكومة اللبنانية.

الدول الخارجية وتحديدا النفوذ السعودي-الإيراني والأمريكي، هي الشماعة التي تُعلق عليها القوى السياسية اللبنانية خيبتها وفشلها في الاتفاق على تشكيلة حكومية لبنانية. هذه الشماعة "الأبدية" حاضرة قبيل كل انتخابات برلمانية أو رئاسية في لبنان. وبعيدا عن الدول الخارجية المتهمة بتعطيل تشكيل الحكومة اللبنانية، هناك من يُعطل تشكيل الحكومة اللبنانية من الداخل، بل ويمكنك القول وأنت مطمئن أن هناك مكاسب من وراء تعطيل تشكيل الحكومة اللبنانية.

هذه المكاسب في الحقيقة تصب في مصلحة فريق 14 آذار. أول هذه المكاسب هو ما يسميه اللبنانيون "اللُحمة السياسية" بضم اللام. فبعد أن بعثر سمير جعجع رئيس حزب "القوات اللبنانية" فريق 14 بانسحابه من سباق الرئاسة، وترشيحه لميشال عون الرئيس الحالي، وبعد اتهامات طالت سعد الحريري بأنه باع رفيقه سمير جعجع بحثا عن كرسي رئاسة الوزراء في الحكومة السابقة، بعدما وافق على أن يتولى سليمان فرنجيه – رئيس تيار المردة وعضو تكتل 8 آذار – رئاسة الجمهورية ،وهو الاتفاق الذي عطله حزب الله الذي لم يتنازل عن ترشيح حليفه ميشال عون.

بعد كل هذا التبعثر السياسي"، عاد حزب "القوات اللبنانية" ليوحد فريق 14 آذار ،بعدما حصد 20 مقعدا في البرلمان، لينتشل "تيار المستقبل" بزعامة سعد الحريري من خسارة عشرة مقاعد برلمانية. رئيس الوزراء المكلف – سعد الحريري مطالب الآن بألا يبيع القوات اللبنانية مجددا، بأن يضمن لها وزارة سيادية في الحكومة الجديدة، وأن يحقق مطلبها بأن يكون تمثيلها في الحكومة مساويا لتمثيل التيار الوطني الحر.

هناك مكسب آخر يلوح لفريق 14 آذار ،وهو تشقق فريق 8 آذار، فمنذ فترة ليست ببعيدة نشب خلاف بين حركة أمل والتيار الوطني الحر، بعدما أساء رئيس التيار الوطني الحر– جبران باسيل- لنبيه بري، ومنذ أقل من أسبوعين دب خلاف بين مؤيدي حزب الله ومؤيدي حركة أمل، بسبب رفض حركة أمل للعرض المقدم من سفينة تركية تولد الكهرباء قالت إنها ستقدم الكهرباء مجانا لمدة ثلاثة شهور.
 مؤيدو حزب الله قالوا إن أباطرة المولدات الكهربائية من حركة أمل هم السبب، بينما نفت حركة أمل ذلك، وقالت إن سبب الرفض يأتي في النوايا السيئة للأتراك، وإن العرض مبطن بتوريط اللبنانيين في دفع رسوم مبالغ فيها.

نبيه بري زعيم حركة أمل ورئيس البرلمان اللبناني أرسل رسائل من جانبه– حسبما تردد في الإعلام اللبناني– يتهم سعد الحريري بأنه وراء تعطيل تشكيل الحكومة، بينما استغرب سعد الحريري الاتهام، وقال إنه على تواصل مع جميع القوى السياسية بما في ذلك حزب الله، حتى وإن لم يلتق بهم. الحريري نفى أمام الإعلام وجود "أية عُقد إقليمية أو دولية" بشأن تشكيل الحكومة.

جميع القوى السياسية تهرب من اتهامها بتعطيل تشكيل الحكومة اللبنانية، بل إن الجميع على استعداد لذرف دموع سياسية تكفي لملء نهر الليطاني، والجميع يحذر من انهيار الاقتصاد والليرة اللبنانية، والجميع بريء مما يفعلون. ووسط هذا الهروب الممنهج من الحقيقة وتحمل المسئولية، يظل الاقتصاد اللبناني على المحك حتى إن أحد الأصدقاء اللبنانيين قال لي حين أردت أن استبدل الدولار بالليرة اللبنانية: "لا تصرف دولارا، اصرف لبنانيا لو معك"، في إشارة إلى أن الليرة اللبنانية قد تنهار.

حسنا، إذا كان الجميع ينفي تهمة التعطيل عن نفسه، فلماذا لا تتشكل الحكومة ومتى ستتشكل؟ الإجابة واضحة، الجميع في انتظار تنازل الأطراف الأخرى. السياسة في لبنان هي "عض أظافر"، وعليه فإن الحكومة لن تتشكل حتى "يصرخ أحد أو بعض القوى السياسية من العض، ويتنازل عن بعض مطالبه في الحكومة"، أما الشعب اللبناني فهو يصرخ من عض الساسة لأظافره منذ سنوات طويلة، وسيظل يصرخ دونما مجيب!
الجريدة الرسمية