رئيس التحرير
عصام كامل

«عارفة عبد الرسول».. رحلة الـ65 عاما من محل بقالة إلى شاشة التليفزيون

فيتو

عارفة عبد الرسول، إذاعية ومسرحية وحكاءة وفنانة تتسلق أولى درجات الشهرة التي غابت عن مسيرة استمرت لما يزيد على 40 عاما، وشاركت في العديد من الفنون المختلفة، واستطاعت بأدوار صغيرة متتابعة أن تجد لنفسها موقعًا داخل ذاكرة المشاهد المصري والعربي.


«أن تأتي متأخرًا خيرًا من ألا تأتي أبدا».. تمثل تلك الحكمة خط سير حياة "عارفة عبد الرسول"، فلسفتها الخاصة تقول إنه لا مجال للفشل، والقصة بدأت معها هواية لكن سرعان ما تحولت لشغف خاص، وارتحلت من أجله من الإسكندرية إلى القاهرة منذ 10 سنوات واستقرت هنا بعيدة عن أبنائها فقط حبا للفن، البدايات والمحطات الفنية المختلفة التي مرت عليها في طريقها لتكون واحدة من أيقونات السباق الدرامي الرمضاني تجيب عنها في هذا الحوار.

بداية عرفينا بنفسك ودراستك؟
عارفة عبد الرسول، إسكندرانية مواليد حي الحضرة، خريجة فنون جميلة دفعة ٧٧، منذ نعومة أظافري ولدي شغف خاص بالفن بجميع أشكاله، عملت بالإذاعة والمسرح والتليفزيون وقبل كل ذلك عملت في محل بقالة.

محل بقالة.. حدثيني عن تلك الفترة؟
قضيت طفولتي بين جدران محل بقالة كبير كان يملكه والدي في الشارع الموجود فيه منزلنا، كنت أعمل فيه طوال الوقت، أظن أني حُرمت من طفولتي أو الفترة التي تهتم فيه الأطفال بالألعاب، في الأعياد والمناسبات العامة كان يذهب الأطفال إلى الملاهي والحدائق وكنت أنا أمكث في محل البقالة مع والدي وأسرتي.



ماذا بعد تلك الفترة؟
كبرت والتحقت بكلية فنون جميلة وبدأت حياتي الخاصة التي فيها عدد من المحطات.

المحطة الأولى في حياة عارفة عبد الرسول كانت إذاعة.. احكي لنا عن تلك التجربة؟ 

كنت عاشقة للتمثيل منذ مرحلة الدراسة سواء في المدرسة أو الجامعة، لكني لم أظن أن الأمر سيخرج عن كونه هواية، نأتي لمرحلة الإذاعة، في أحد الأيام قابلتني صديقة وطلبت مني الذهاب معها لحضور اختبار تمثيل في إذاعة إسكندرية، أثناء سيرنا في اتجاه الإذاعة ألتقينا زميلا لنا يعمل في المسرح، سألنا: رايحين فين.. قولناله رايحين اختبار إذاعة، أخبرنا أنه لا بد أن نعمل على تحضير قطعة لغة عربية وقطعة أخرى عامية للاختبار، وبالفعل عندما أتى دوري للاختبار وقفت أمام الميكرفون وفتحت الكتاب اقرأ: هل رأيت القريدس من قبل، نعم والسلطعون أيضًا، وأثناء إلقائي ألقيت نظرة  على لجنة التحكيم لأفاجأ أنهم «ميتين من الضحك»، طلعت بقرأ شخصيتين والاتنين رجالة، وأخدت من اللجنة اسكريبت وبدأت أقول دوري والحمد لله نجحت واشتغلت.

احكي لنا ذكرياتك مع «كابتن رأفت»؟
أول ما بدأت في الإذاعة كنت بشتغل في برنامج درامي شهير اسمه «من أرشيف المحاكم»، وهو عبارة عن قضية وتحريات نتابعها مع الجمهور وصولًا للقاتل، وكان له جمهور كبير وكان عادة يبدأ بجملة شهيرة: «ها عملت إيه في تحرياتك يا كابتن رأفت»، ومن هنا بدأ الناس في حي الحضرة بتلقيبي بـ«كابتن رأفت».

صفِ لنا إحساسك عندما تعرف عليك الناس للمرة الأولى في الشارع؟
عرف أهل حي الحضرة أني أمثل في الإذاعة خاصة تمثيلية الساعة ٧، فبدأت كل محال الحي تقريبًا تفتح الراديو ومنتظرين يسمعوا بنت منطقتهم في الراديو، وكنت أمر في الشارع كلهم يباركولي وفرحانين جدا، دي من اللحظات الجميلة في الحياة، فرحتي الحقيقية إن أهل حي الحضرة فرحانين بيا وحاسة إني بعمل حاجة عظيمة.

إذن البداية كانت إذاعة.. كيف وصلت إلى المسرح؟
دخلت الإذاعة منذ عام 1977 تقريبا، في تلك الفترة كنا نعمل على مسلسل إذاعي وكان معنا «محمد غنيم مدير مديرية الثقافة»، وقتها قال لي تعالي انضمي للفرقة القومية عندنا في الثقافة قولتله فين؟ كنت أول مرة أسمع عن قصور الثقافة وبالفعل عملت معهم أول مسرحية وكان اسمها «سبع سواقي» من إخراج دكتور هاني مطاوع لتكون البداية الحقيقية بعد مسرح الجامعة، وحصلت على العديد من الجوائز أولها سنة 1980 عن مسرحية ليلى والمجنون، وحصلت على أفضل ممثلة عن دور ليلى.



بعد تلك الفترة.. جاءت مرحلة «الحكي» كيف كانت؟
كنت معروفة وسط أصدقائي أنني حكاء، أحكي حكايات لطيفة عن المواقف اللى بتمر في حياتى وكانوا دايما يطلبوا منى احكى الحكايه الفلانيه على سبيل الهزار والتسليه ماكنتش اعرف أن فيه مسرح للحكى، في يوم جت إسكندرية الفنانة «فانيا اكسرجيان» تعمل كاستينج لفيلم أسماء البكري «العنف والسخرية»، روحت ومكنتش عارفة أعمل إيه، قولتلها احكيلك حكايه قالت احكى وبدأت أحكي لها حكاياتي.

بعدها بكام يوم لقيتها بتتصل بيا وتقولي الحكايات دي انتي حاتحكيها على المسرح في مكتبة الإسكندرية مكنتش مصدقة إن اللى باعمله ده ممكن يأثر روحت وقدمت العرض والناس وقفت وهيه بتسقف نحو ربع ساعة، بعدها بكام يوم لقيت الجيزويت طالبين عرض حكي، زوجي مخرج ومُعد شاطر قوي قالي حنعمل عرض بحكاياتك ونسميه حكايات بنت البقال ومن هنا بدأ المشوار اتعمل منها أربع أجزاء لحد دلوقتى واتعرضت في معظم الدول العربية وفي فرنسا.



إذن المحطات الثلاث في حياتك لم يكن من بينها الفيديو؟
لا لم أعتقد أن الأمر سيكون أكثر من ذلك، فقط هواية أعشقها وأمارسها كلما أتيحي لي الفرصة.

وكيف وصل الأمر إلى شاشة التليفزيون؟
أنا كنت في إسكندرية بمارس هوايتي في التمثيل، لحد ما اكتشفني حسن الجريتلى وقالي: أنا عايزك في فرقة الورشة كان أولادي اتخرجوا وليا صديقة قاهرية اسمها «ميريت ميشيل» دعمتني وووفرتلي الإقامة وزوجي كان خير داعم ليا، وكل اللي نحوا شجعوني على الخطوة.



كيف كان قرار ترك عروس البحر والقدوم إلى القاهرة؟
كان قرار صعبا للغاية، القاهرة قاهرة للأغراب، مفرمة كبيرة، مفيش وقت لأي حاجة واللي ما يشتغلش ممكن يتفرم ويروح في الرجلين ومحدش يحس بيه، أما إسكندرية فهي رايقة في كل حاجة، على مهلها وبمزاج بس مفيش فلوس معظم الشغل هواية مش منتظرين منه مقابل عشان كده بيكون هادى ورايق ومافيهوش استعجال.

ما الفرق بين التمثيل على خشبة المسرح وأمام الكاميرا؟
التمثيل على خشبة المسرح يمنحك رد فعل فوري من الجمهور وتقدر تعرف بشوية خبرة الجمهور امتى صدقك، وامتى ماعجبتهوش علاوة طبعا إن صوتك لازم يبقى عالي، الكاميرا مش محتاجة صوت عالي ولا مبالغة في الأداء أو حركات الوجه وفي نفس الوقت أنت أخذت خبرة من المسرح، والجمهور عايز منك بس الحقيقة دي محتاجة خبرة وذكاء.

هل وجدتي في التمثيل شغفك؟
التمثيل كل شيء بالنسبة لي، فهو أنقذنى فعلًا من أمراض نفسية كثيرة كان ممكن أن أتعرض لها والسبب أنني لم ألعب وأنا صغيرة، كنت أعمل مع والدي في الدكان حتى أيام العيد والتمثيل خلاني ألعب كل الألعاب اللي اتحرمت منها، وبيفرغ شحنة الغضب جوايا وخلاني أتصالح مع الدنيا اعتقد دى أهم حاجه أخدتها من التمثيل.

هل تشعرين بالظلم لتأخر شُهرتك طيلة تلك الأعوام؟
شهرتي تأخرت لأسباب منطقية، فأنا طوال حياتي شخص مسئول، أربي أولادي وأمارس هواية التمثيل على المسرح، وأعود سريعا للمنزل لتحضير الطعام والمذاكرة مع أبنائي والذهاب معهم إلى التمرين أو الدرس، كان صعبا أن أتركهم وأسافر إلى القاهرة، في النهاية أن تأتي متأخرا أفضل من ألا تأتي أبدًا.

لماذا تغارين من ميريل ستريب؟
أنا لا أغار من ميريل ستريب ولكن عندما قررت المجيء إلى القاهرة كان أصحابى على سبيل الدعم يقولوا «انتى حتكسرى الدنيا انتى حتقعدى فلانة في البيت»، فقولت لهم على سبيل النكتة: «أنا مش عايزة أخد مكان فلانة في البيت أنا عايزة أخد مكان ميريل ستريب عشان يعرفوا بس أن طموحي كبير».


هل تعرضتي للإحراج من قبل في الوسط سواء من نجوم كبار أو ممثلات في طريقهن للشهرة؟
كنا نصور «وكالة عطية» مع المرحوم رأفت الميهي وكان فيه فرح كبير بخيول وتنورة وفرقة حسب الله، وأنا كنت في دور أم العروسة، أثناء تصوير المشهد كنت بجانب ممثلة كبيرة لقيتها مرة واحدة بتزعق وبتقولى عيب يا مدام أنا اتخضيت وقولتلها فيه إيه قالتلى بتزقينى قولت لها ماحصلش، وبعد ما خلصنا تصوير وأنا خارجة لقيتها في وشي قولتلها أنا ماعملش كده قالتلى خلاص يا ماما انسى مش خلصنا انسى بقى.

هل تحملي حكايات طريفة من مسيرتك؟
أول ما انتقلت إلى القاهرة كنت أعيش في حدائق القبة وكانت الفلوس على القد طلبوني أعمل دور في مسلسل اتعرض بره، مدربة رقص شرقي حصور ٣ أيام بألف جنيه، روحت قبل الميعاد عشان كان لازم اتدرب مع مصمم الرقص مجدى الزقازيقى وأنا مفيش في جيبى غير ٢٠ جنيها، صورت مشاهد اليوم وخرجت، أنا عارفة طبعا إنى مش هاخد فلوس إلا بعد التصوير ما ينتهي، ذهبت لمدير الإنتاج وأخبرته أنى انتهيت اليوم، فأعطاني الألف جنيه اخدتهم وأنا مش مصدقة ومشيت امد ومش عايزه ابص ورايا احسن يكتشفوا عملتى السوده وقتها عرفت إن فيه ممثل ممكن ياخد ألف جنيه في اليوم كانوا بيضحكوا عليا ويدوني 300 جنيه.

ماذا تمثل لكي الشهرة؟
أنا شخص محب للشهرة أحتاج الشهرة طبعا وأعشقها.

هل تملكك يوما الخوف من الفشل؟
فكرة الفشل دي لم تخطر على بالي، أنا كنت عارفة إن الطريق صعب وهياخد وقت لكن الفشل هيهات.

ماذا عن المستقبل.. ما أحلامك لبكرة؟
أنا لسه مش مشهورة قوى نفسي أبقى من نجوم الصف الأول ولو إن ده صعب في سني لكن مفيش حاجة بعيدة عن ربنا ونفسي في شقة تمليك في القاهرة بدل الإيجار.
الجريدة الرسمية