رئيس التحرير
عصام كامل

أسامة داوود يفتح الملف المسكوت عنه في مستشفى 57357: «رؤى» ماتت فتم إجبار أمها على الخروج بها من باب المطبخ بعدما أقرت أنها على قيد الحياة.. وأجلوا جرعات «يوسف» عدة مرات حتى لفظ أنف

فيتو

قبل أن تقرأ...

عندما فتحتْ "فيتو" ملف مستشفى 57357، في العدد السابق، لم تهدفْ بطبيعة الحال، إلى إيقاف نهر التبرعات المالية المتدفقة على أضخم مستشفى خيري أنشأه المصريون لعلاج سرطان الأطفال، فأرشيف "فيتو"، خلال السنوات السبع الماضية، يكشف بجلاء مواقفها الإنسانية التي لا تخفى على كل ذي بصيرة سوية، كما أن "فيتو" لم تتهمْ أحدًا من القائمين على إدارة المستشفى بسوء ولن تفعل، بل طرحتْ تساؤلاتٍ منطقية من واقع مستندات صحيحة لا تقبل تشكيكًا، مستندات تعكسُ فرقًا شاسعًا بين إجمالي التبرعات السنوية التي تكسر حاجز المليار جنيه، وبين الرقم المخصص للعلاج الذي لا يتجاوز الـ160 مليونًا، وتركتْ الباب مفتوحًا لمن يرد على التساؤلات ويوضحها ويفندها ويجيب عنها، جميع التساؤلات، ويضع النقاط على الحروف التي غادرتها نقاطها، بعيدًا عن أي تلاسناتٍ رخيصةٍ.

وفي هذه الحلقة تواصلُ "فيتو" كشف جانبٍ جديدٍ من واقع إدارة المستشفى، لا تهدف من ورائه إلا الإصلاح ما استطاعت، وتصحيح أمور ربما تكون انحرفت، بحُسن نية، عن مساراتها المنطقية، أملاً في توسيع مظلة العلاج لكل من احتل المرض اللعين أجسادهم الطاهرة، ومجددًا.. نحن لا نهاجم مستشفى 57357، بل نهاجم أسلوبًا قد يكون خاطئًا في إدارة التبرعات المليارية، حتى لا تتكرر مآسي الأطفال الذين تُغلَق أبواب الأمل في وجوههم، بوتيرة متسارعة، بزعم عدم توفر أماكن، ليلتقمهم الموت وهم لم يعانقوا الحياة بعد.

رغم انفرادنا في الحلقة السابقة بالكشف عن حجم التبرعات التي تتدفق على مستشفى 57357 وتبلغ سنويًّا أكثر من مليار جنيه، لم أكن أتخيل من قبل أن أقترب من حقيقة المنظومة التي تسير وفقًا لها إدارة مؤسسة 57357 كل هذا الخلل، كنت كلما اقتربت منها أبحث عن أي مبرر ولو ضعيف للابتعاد عنها جملةً وتفصيلاً، تعريض حياة الأطفال للخطر وإجبار أهالي الموتى على توقيع إقرارات بأنهم على قيد الحياة حتى لا تتأثر نسب الشفاء الوهمية، وإسناد كل الأعمال بالأمر المباشر أو ما يسمى بـ"المناقصة المحدودة" بعيدًا عن الأجهزة الرقابية.. عملية سلخ للمستشفى وإنشاء جمعيات متعددة لتسهيل تسرب أموال التبرعات وحظر نشر الميزانيات لإخفاء عمليات التلاعب في الأوراق الرسمية لضم شريف أبو النجا إلى المؤسسين بالمخالفة للقانون واللائحة، وعشرات من الوقائع ربما نستطيع سردها في أعداد لاحقة.

بالوثائق والمستندات وشهادة الشهود وبكل الوسائل نكشف عن إهدار أموال مؤسسة مستشفى 57357 التي تُحصَّل من التبرعات، بينما تُوجَّه في غير الأغراض المخصصة لها.

المتاهة
بما يشبه المتاهة والألغاز يكون إعداد تقارير عن الموازنة التقديرية للعرض على مجلس أمناء مؤسسة ومستشفى 57357، التي يصعب على كل عقل بشري طبيعي أو أي محاسب محترف، الكشف عن سبل التعامل مع المال العام المتمثل في أموال التبرعات.

بينما كشفنا عن الأجور التي لم يكن يتخيل أحد أن يصل حجمها إلى 210 ملايين في 2015، وفى المقابل لا يزيد العلاج بكل مشتملاته من مستلزمات وأدوية وتجهيزات طبية وغيرها على أكثر من 160 مليونًا.

لكن المفاجأة المدوية تأتي فيما ورد في موازنة 2018 والموقعة من المدير التنفيذي للمؤسسة محمود التهامي، لنجد الموارد مليارًا و230 مليونا منها 515 أجورًا ومكافآت للعاملين في مستشفى ومؤسسة 57357، وتوصلنا لقيمة الأجور الحقيقية، حيث أشار تقرير الموازنة إلى أن هناك زيادة في الأجور بنسبة 25% عن عام 2017 وبنفس نسبة 2017 عن أجور عام 2016 التي بلغت 280 مليون جنيه، ومن ثم تصبح أجور 2018 هي 430 مليونًا يضاف إليها 65 مليونًا حوافز، و120 مليونًا للإعلانات، و105 ملايين للتدريب والتطوير، و20 مليونًا للمياه والكهرباء والصيانة وغيرها من وجوه الصرف.. وهنا السؤال كم تبقى للعلاج؟

المناقصة المحدودة
الأمر المباشر لكل العمليات من تصميمات وإنشاءات وشراء أجهزة كان هو الأسلوب الوحيد لتعامل مجلس 57357 لعمليات الشراء والإنشاء والتصميم.. مئات الملايين من الجنيهات وعشرات الملايين من الدولارات كل عام تُنفَق دون أي نوع من الرقابة، ومع اعتراض بعض أعضاء مجلس الأمناء لما ابتدع المستشفى نوعًا جديدًا وهو المناقصة المحدودة، ومن المناقصات المحدودة مناقصة توسعة مستشفى 57357 بمبلغ 221 مليون جنيه.

كما طرحت مناقصة محدودة أيضًا لمشروع تطوير الصيدلة الإكلينيكية بقيمة 10 ملايين جنيه، ومناقصة محدودة لتطوير المساحة الخالية بالدور الرابع بقيمة 13 مليون جنيه، بالإضافة إلى الموافقة على طرح مناقصة محدودة خاصة بمشروع إنشاء مبنى معدني خلف المؤسسة بمبلغ 26 مليون جنيه، والموافقة على مناقصة محدودة على تجهيز مبنى الرعاية المتوسطة في العمارة المهداة من جمعية أصدقاء المبادرة القومية بقيمة 83 مليون جنيه، كما تم اعتماد محضر اجتماع 23 نوفمبر 2017 وفيه الموافقة على تحمل مجموعة 57357 تكاليف تطوير 17 مدرسة بقيمة 30 مليون جنيه.. الجديد أنه تم إسناد كل عمليات الإشراف للوحدة “wedjat” وهى وحدة أنشأها المستشفى لإدارة المشروعات الهندسية للمجموعة، وتم تعيين المهندس عادل يوسف بصفته ممثلاً للوحدة في المجموعة.

لم تكتفي اللجنة التنفيذية بذلك، بل وافقت على اعتماد سداد مقاولي الباطن مكتب شاكر للاستشارات الهندسية وشركة العمار خصمًا من عقد شركة “RTKL”، التي حصلت على أعمال التصميمات بالأمر المباشر، بالإضافة إلى النظر في المناقصة المحدودة بقيمة تقديرية بلغت 25 ألف دولار، والنظر أيضًا في المناقصة المحدودة لاستبدال البنية التحتية للنظم والمعلومات الخاصة بالمستشفى والمؤسسة بمبلغ 2 مليون دولار، والنظر في مشاركة المؤسسة مع جمعية أصدقاء المبادرة القومية ضد السرطان في بعض المشروعات، أيضًا إسناد الأعمال الاستشارية والتصميمات الخاصة بمدرسة الصباح ومبنى الرعاية التلطيفية إلى مقاولي الباطن والاستشاري شركة (RTKL).

شراء بند تكميلي بنسبة 25% من المناقصة المحدودة لأعمال تحديث سيرفرات أنظمة يرنر بمبلغ 59 ألف دولار.

لم تكتفي فقط الموافقات على الأمر المباشر والمناقصة المحدودة على هذا الحد، ولكن هناك الكثير، كما وافقت على أن تتحمل المؤسسة سداد المبالغ المطلوبة من الجمعية الأمريكية المصرية للسرطان “ECN” التي أسسها د. شريف أبو النجا في أمريكا، وأن السداد يتم للشركة التي منحت سابقًا تنفيذ التصميمات لعدد من المشروعات بالأمر المباشر التي أشرنا إليها سابقًا وهي “solving efos” التي يعمل مستشارًا لها هشام دنانة، وهو في نفس الوقت ممثل مستشار مؤسسة 57357 للمشروعات، وأرى أنه من الشفافية أن تُعلن هذه الأرقام على الصفحة الرسمية للمستشفى، وهي من حق كل مواطن أن يعرف أين تذهب تبرعاته، ومثلما يفعل المعهد القومي للأورام الذي يضع التصرف في التبرعات تحت إشراف لجنة من كبار علماء الدين والطب والإدارة والمحاسبة وتحت رئاسة فضيلة مفتي الجمهورية الأسبق الشيخ نصر فريد واصل، وتُعلن التبرعات على الملأ لحظة بلحظة.

الضحايا
يوسف هرب من كابوس الـ”day care” للموت.
الطفل "يوسف م ع" يحمل رقم 20171096 تم الكشف عليه، وحجزه بالمستشفى وبدء العلاج من شهر مايو وتحدد له يوم 24 يوليو ٢٠١٧ باعتباره موعدًا لأخذ الجرعة، التي كان قد حل موعدها، وبدلاً من بدء العلاج وفقًا للبروتوكول وُضع الطفل في قائمة انتظار داخلية لعدم توفر مكان.. تم تأجيل حصوله على الجرعة عدة مرات لعدم وجود مكان حسب ردهم، تم إعطاء موعد ثالث للطفل ووضع أيضًا على قائمة انتظار حتى تجاوز الموعد المحدد للجرعة بـ١٤ يومًا وهو مخالف لبروتوكول العلاج، وقد تكرر التأجيل مع معظم جرعات الكيماوي، مما أدى إلى فشل العلاج كاملاً، وهو ما يخالف تأكيدات أبو النجا أن المستشفى يوفر لكل طفل في الداخل كل العلاج اللازم وبأحدث الأساليب العملية ودون تأخير.. والسؤال كيف يتم التأخير في تنفيذ بروتوكول علاج، وقال الأطباء إن استجابة الطفل للعلاج أصبحت ضعيفة جدًّا والسبب تأخر حصوله على الجرعات المقررة له، وأكدوا أن المواعيد من اختصاص الإدارة، وكانت النهاية هي الموت.

الـ”day care” بعبع الأطفال
“day care” هو عبارة عن غرفة مستطيلة تشبه عنبر المستشفيات العامة يتراص فيه حوالي 12 كرسيًّا للمرضى وأمامهم 12 كرسيًّا للمرافقين تتوسطه الوسائل والمستلزمات الخاصة بإعطاء جرعات العلاج الكيماوي للأطفال.. حالة من البؤس ربما يصعب على كل من يتابع 57357 من الخارج تخيلها، لا تجد له مثيلاً إلا في مخيمات اللاجئين، والـ”day care” به ١٢ حالة جميعها على كراسي جلد تتمدد عند الضغط عليها حتى تكون شبيهة بالسرير غير أن هذه الكراسي غير مناسبة تمامًا للعديد من الأطفال، حيث تختلف أطوالهم باختلاف أعمارهم، فلا يستطيع الطفل الذي يتعدى طوله المتر، النوم بصورة طبيعية، مما يضع الأطفال في حالة نفسية سيئة جدًّا، والـ“day care” به حمامان فقط لخدمة 24 حالة الأطفال ومرافقيهم، بالإضافة إلى تعرض الأطفال به لمضاعفات خطيرة نتيجة لانتقال العدوى، خاصة أن معظمهم قد يعاني ضعف المناعة، و”day care” يجب أن لا يزيد وقت بقاء الطفل به أكثر من 12 ساعة ولكنهم يبقون فيه أسبوعًا كاملاً، الأمر الذي تحول لدى الأطفال إلى كابوس يضاعف من حالة البؤس التي يعيشونها.

دخلت رؤى خالد مصباح، المستشفى يوم 26 أكتوبر ٢٠١٦ تحمل ملف رقم ٢٠١٦٢٤٨١ بدأت علاجًا بالكيماوي، وبالمخالفة لكل تقارير أساتذة الأورام، وبعدها اكتشف المستشفى خطأ البدء بالكيماوي وتجاهل الجراحة في البداية بعد جراعات كيماوي كان يتم تأخير بعضها لعدم وجود مكان ثم أُجريت جراحة بعد انتشار الورم، مما أدى إلى انتشار أكبر للورم لتنقل الطفلة للعلاج الكيماوي التلطيفي بعيدًا عن إشراف المستشفى، متجاهلين حالة الأنيميا التي تتطلب أن يكون العلاج تحت إشراف طبي بسبب تكسير الصفائح الدموية، الأمر الذي عجل بوفاتها خلال 10 أيام، ليكتشف الأطباء أن كبسولات فيبسيد أدت إلى زيادة الأنيميا التي كانت تعاني منها، وبعد موتها طلبوا من الأم الخروج بجثة طفلتها من باب المطبخ، وبعد أن جعلوها تُوقِّع على إقرار بخروجها وعلى أنها ما زالت على قيد الحياة.. هذا ما روته لي والدتها.

ريتاج والهروب من قرار الموت
ريتاج طفلة دخلت مستشفى 57357 منذ عام ونصف العام، وتم تسجيلها تحت رقم 20162429، تقول أمها إن الدخول جاء بعد الخضوع لقائمة انتظار كان يستهدف منها أن ينفد صبرها قبل التفضل على طفلتها بقبولها، وهي مصابة بورم على الكلية وخضعت الطفلة لخمس جرعات كيماوي تسبق عملية زرع نخاع، و"قالت لى الطبيبة إن فرصة شفاء ابنتك تترتب على زرع النخاع فحاربي من أجل حياة ابنتك لأنني لا أريد أن أرى أطفالاً يموتون لأسباب ترتبط بالسعي لتقليل الإنفاق.. ثم طلبت مني تجميع الحالات المشابهة وعمل شكوى في الإدارة"، تضيف الأم: كان التضارب في التشخيص واختلاف الآراء في أسلوب علاج طفلتي وطريقته قد أثار الرعب عندي، شعرت بوجود حالة من الارتباك وعدم الرغبة في علاج ابنتي، وتقول الأم سلمت أمرى لله وبدأ المستشفى في إعطاء ابنتي 20 جلسة إشعاع، وبعدها قرروا أن تستمر الطفلة على تناول أقراص كيماوي تلطيفي، ورفض المستشفى تحويلها مرة أخرى للعلاج، مؤكدين أنه ليس لها إلا العلاج التلطيفي المخصص لتخفيف آلامها وفقط"، لتؤكد الأم أنها لم تتردد لحظة وباعت المنزل الذي لا تملك سواه لتبدأ رحلة العلاج الكيماوي خارج المستشفى، وأنهت حاليًا 3 جرعات مما جعل حالة ريتاج في تقدم.

الرقيب
تتصرف إدارة المستشفى باعتبارها فوق كل الجهات الرقابية وخضوعها الوحيد يكون لأحد الموظفين داخل إدارة من إدارات وزارة التضامن الاجتماعي، أي إن موظفًا راتبه لا يتجاوز مئات الجنيهات يكون هو المكلف بصفته جهازًا رقابيًّا وحيدًا، يراقب ويحاسب ويعاقب مؤسسة تتلقى تبرعات تتجاوز المليار جنيه سنويًّا وتنفق إلى حد البذخ على الرفاهية تاركة لُب القضية التي من أجلها تأتي التبرعات وهو علاج الأطفال من غول السرطان.. والسؤال لماذا لم يخضع 57357 ومؤسساته لأي نوع من الأجهزة الرقابية من جهاز محاسبات ورقابة إدارية وغيرها؟ السبب ربما لأنها تعيش على أموال التبرعات وليس بها من الأموال التابعة لخزانة الدولة شيء.


سلخ 57357 من معهد الأورام للانفراد به
كيف تم الاستيلاء على مستشفى 57357 وفصله عن الأب الشرعي له وهو المعهد القومي للأورام؟ وهو الكيان الذي نص عليه عقد المشاركة وتم تحريره في 8 مايو 2000 بين جمعية أصدقاء المعهد القومي للأورام والجمعية المصرية للتنمية الاجتماعية والثقافية؟ وهى أن يؤول المستشفى إلى المعهد القومي للأورام لعلاج الأطفال به مجانًا.

قد جاء قرار تأسيس مستشفى 57357 في محضر اجتماع مجلس جامعة القاهرة رقم 950 في 30 نوفمبر 1996، وبناءً على قرار محافظ القاهرة رقم 327 في سنة 1998، وبعد مرور عامين على إجراءات التأسيس والبدء في المستشفى وصل الدكتور شريف أبو النجا إلى المستشفى، عارضًا نفسه باحثًا عن عمل بها، ليكون ضمن فريق الأطباء الذين جاءوا من المعهد القومي للأورام، لكنه وبعد التقرب إلى السيدة سوزان مبارك حرم الرئيس الأسبق حسني مبارك بدأ يطرح فكرة أن يكون المستشفى مستقلاً عن المعهد القومي للأورام ليكون أكثر تحررًا من القيود وليكون نموذجًا مشرفًا تحت رعاية السيدة حرم الرئيس.. استجابت السيدة سوزان مبارك بحسن نية لهذا الأمر.. وهكذا تمكن من إقناعها وتم بالفعل فصل المستشفى عن المعهد.

إعادة إنتاج المستشفى بعد سلخه من هويته
كانت قدرات إدارة 57357 في تقديم 135 مليونًا من التبرعات لصالح الإعلانات دون مناقشة، والإنفاق مباشرة دون مفاوضة، وهو ما أدى إلى تفسيرات كثيرة من جانب بعض القيادات في مجلس الأمناء وهو ما اعتبره البعض يستهدف ضمان تحييد كل الأصوات التي من الممكن أن تكشف وتنكش في قرارات وإجراءات وفرمانات ما أنزل الله بها من سلطان، لكن على ما يبدو أن موقف تلك المجموعة التي عُيِّنت لم تكن متوافقة مع رغبة الدكتور شريف أبو النجا الذي قرر أن يتجنب اللائحة في أمور مالية وبأرقام بمئات الملايين فكان لا بد من الخروج من الرداء المتمثل في جمعيتي أصدقاء المعهد القومي والجمعية المصرية.

فتمت إعادة إنتاج المستشفى بعد سلخه من هويته بعملية ذوبان للجمعيات التابعة له وإعادة تسميته باسم جمعية المبادرة القومية ضد السرطان (سرطان الجهل والفقر والمرض) وهو ما كان قد نجح فيه سابقًا، وليصبح جهة إضافية لتلقي التبرعات وأيضًا يمكن عن طريقها إنفاق التبرعات في أمور بعيدة عن العلاج.. ربما لتوظيف سياسي لا علاجي؛ ونظرًا لأن قرار التأسيس ينص على عدم جواز توجيه أموال التبرعات أو إنفاقها إلا في النشاط الموجود في التأسيس، ووفقًا لقرار التأسيس فكانت عملية السلخ والذوبان في كيان جديد للخروج من قاعدة الحفاظ على أموال التبرعات وبعدها كان توجيهها لأمور أخرى.

"الشهود شهودنا.. والدفاتر دفاترنا"
على طريقة البارودي في فيلم الزوجة الثانية وفي جلسة 21 يناير، أي بعد أيام من الجلسة التي رفض فيها الأمين العام السابق أشرف سعد زغلول مخالفة اللائحة في إسناد أعمال بالأمر المباشر لشركة خاصة تقارب 3 ملايين دولار، اتُّخذ قرار باستبعاده مع اثنين آخرين، من مجلس الأمناء، علمًا بأن قرار التعيين كان مدة 6 سنوات بدأ في 28 يناير 2013 وقد خرج بعد أقل من 3 سنوات بسبب رفضه لقرار يخالف اللائحة.

شهدت تلك الجلسة التي تم فيها استبعاد المعارضين للإنفاق على المشروعات بالأمر المباشر، وتضمنت إقرارًا أكثر من قرار يشوبه البطلان، وبالمخالفة للوائح والقواعد التي تعمل بها المؤسسة، ليصادق المجلس على ضم الدكتور شريف أبو النجا بشخصه إلى مؤسسي مستشفى أورام الأطفال، وعلى طريقة الذين قرروا وضع أسمائهم في سجلات شرف حروب لم يخوضوها.

وفى ظل عدم وجود رقابة من أي جهة سوى إدارة الجمعيات بوزارة التضامن الاجتماعي شأنها شأن أي جمعية خيرية تتعامل في مئات أو آلاف الجنيهات وليس المليارات، ليتم التلاعب في فتوى الشئون القانونية بوزارة التضامن، التي تؤكد عدم قانونية إضافة أبو النجا للمؤسسين، وكشفت التحقيقات عن تلاعب من أحد الموظفين بمديرية التضامن في نص فتوى الشئون القانونية بالوزارة، وهي ما تمثل واقعة غريبة تم على أساسها إلغاء قرار ضم أبو النجا بصفته مؤسسًا، وتحويل المتلاعبين إلى التحقيق.. وهنا نكتشف أن صاحب المصلحة الذي من أجله تم التلاعب هو شريف أبو النجا، وهنا تكون التساؤلات: لماذا يتم الإصرار على إسناد أعمال بملايين الدولارات بالأمر المباشر بالمخالفة للمادتين 27 و19 من لائحة المؤسسة؟ لماذا تم استبعاد الأمين العام بعد أيام قليلة من رفضه الإسناد بالأمر المباشر.. لينطلق بعدها شلال من الموافقات على الأمر المباشر؟ ولماذا لم يتم عرض الأمر الذي رفضه على مجلس أمناء المؤسسة؟ ولماذا تم تفويض الدكتور شريف أبو النجا للتوقيع على إسناد أعمال بالأمر المباشر؟

"نقلاً عن العدد الورقي"...
الجريدة الرسمية