«محضر صلح».. دفن القضايا الحساسة بـ«الجلسات العرفية».. وعلى المتضرر اللجوء للسماء.. «الإعدام» ممنوع.. «كلمة الشرف» ضمان تنفيذ الأحكام.. وحقوقيون: «دليل على
مشهد درامى اعتاد عليه أهالي القرى والنجوع في صعيد مصر، جنوبها وشمالها، أحد كبار العائلات يحمل بين يديه «كفن» أبيض يتقدم به خطوات تجاه أحد كبار العائلة، منكس الرأس طالبا العفو عنه فيما حصدت يداه من دماء وأرواح، لم يستطع القانون أن يقف أمام إسالة تلك الدماء، فيما استطاعت جلسة عرفية إنهاء الخصومة وعودة المياه لمجاريها.
كبار العائلات
بعيدا عن ساحات القضاء والمحاكم والأجهزة الأمنية في مصر هناك أيضا جلسات عرفية أبطالها كبار العائلات والقبائل في كل ربوع مصر، فالجلسات العرفية وسيلة متعارف عليها لحل المشكلات والأزمات الناتجة عن حوادث عديدة تختلف أنواعها إلا أنها تندرج كلها تحت الحوادث الجنائية، إذ يتم الاعتماد عليها عندما تفشل الأجهزة الأمنية في حلها، أو عندما تريد العائلات عدم تدخل الأمن فيما يخصهم، وفى بعض الأوقات تكون الجلسات العرفية برعاية أمنية درءا لأزمات ربما تكون أكبر من الأجهزة الأمنية.
الكفيل
مكونات الجلسات العرفية أهمها هو الكفيل المشهود له بحسن الخلق والسمعة الحسنة والأمانة من الأطراف المتنازعة، بالإضافة إلى هيئة تحكيم من القضاة العرفيين المحايدين، والأهم من ذلك هو وعد الشرف الذي يؤخذ على كبار العائلات المتنازعة لعدم إخلالهم بأحكام الجلسة العرفية.
لا حكم بالإعدام
وللجلسات العرفية قانون يخصها، أهم مواده أنه لا حكم بالإعدام أو الموت أو الإيذاء الجسدى مطلقا، وأيضا لا حكم بالسجن، ولكنْ هناك أحكام بالنفى والتهجير القسري، وذلك النوع من الأحكام موجود بكثرة ولطالما تم استخدامه لوقف نزيف الدماء في قضايا الثأر أو القضايا الخاصة بالشرف.
قبل أيام أعلن المتضررون من أقباط قرية كوم اللوفى بمركز سمالوط بالمنيا، تنازلهم عن الدعاوى القضائية الخاصة بحرق منازلهم في يونيو العام الماضي، وحرر الأقباط محضر تصالح بمقر الشهر العقارى بسمالوط، بعد الاتفاق على التنازل في القضايا قبل انعقاد جلسة النطق بالحكم.
وحسب المصادر تم عقد مجلس صلح عرفى لتسوية الأزمة بين الأطراف محل النزاع بحضور عدد من قيادات المحافظة، يقال إن أعضاء مجلس النواب كانوا حاضرين بقوة ضمن كبار المحافظة، وهو ما يدلل على أن القانون يغيب في الأزمات الكبرى ويتقلص دوره على إجراءات روتينية تزيد من تأجيج الأزمة، ولا يمنحها مصلا مضادا يمنع استمرارها.
اللادولة
وفى هذا الصدد قال سعيد عبد الحافظ، رئيس ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، إن الجلسات العرفية، أحد أهم مظاهر اللادولة وغياب القانون عن أداء دوره الحقيقى في الفصل بين المتنازعين، ولا سيما أن الدولة الوطنية تقوم على مؤسسات والفصل بينها، وفقًا لدستور يحدد أدوارها، مؤكدا أن تغليب النزاعات القبلية والقواعد غير المكتوبة المستمدة من العادات والتقاليد، وهو مؤشر خطير يؤدى إلى تلاشى مفهوم الدولة.
وأكد «عبد الحافظ» أن الجلسات العرفية بين المسيحيين والمسلمين، تعزز من النزاعات الطائفية في المجتمع ويتناقض مع مبدأ التعددية، ولافتا إلى ممارسات التمييز الواضح لمواطنين عن آخرين وفقا للدين أو العرق أو اللون، والتي تؤدى بدورها إلى غياب مفاهيم المواطنة والدولة العصرية الحديثة.
لم يختلف رأى الدكتور ولاء جاد الكريم، مدير مؤسسة شركاء من أجل الشفافية، كثيرا، إذ يرى أن الجلسات العرفية، واحدة من أهم أسباب إهدار القانون والإفلات من العقاب، خاصة أنه يترتب على ذلك ضرر واضح في وحدة المجتمع المصرى وتهديد نسيجه.
وأشار «جاد الكريم» إلى أن تقنين مبدأ المجالس العرفية واللجوء إليها، تخاصم دولة القانون بشكل واضح وصريح، وتطيح بالدستور والدولة المدنية ذاتها، لافتا إلى أن اللجوء إلى الجلسات العرفية يعود إلى ضعف حزمة القوانين المتعلقة بالخصومة الاجتماعية، وعدم إيمان الفرد بالحصول على حقه من خلال إجراءات التقاضى والآليات القضائية الطبيعية، مطالبا بإعادة تأهيل البيئة التشريعية لمثل هذه القضايا.
