رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا يزداد الإرهاب في العالم رغم انهيار تنظيماته؟


يوجد بمدينة نيويورك 1600 ضابط مخصصين لمواجهة الإرهاب والطوارئ وفقا لموقع الفيديو الموجود على موقع شرطة نيويورك على الإنترنت. هذا العدد من الضباط والآلاف من المعاونين لهم لم يساعد مدينة نيويورك في منع الحادث الإرهابي الذي وقع أمس، عندما قام سائق شاحنة بقتل 8 أشخاص وإصابة 12 على الأقل، من قائدي الدراجات الهوائية عندما تعمد الخروج إلى الطريق المخصص لقيادة الدراجات، ثم اصطدم بسيارة رباعية وبأتوبيس مدرسة ثانوية.


حوادث الدهس بالسيارات والطعن وإطلاق النار تكررت في دول مختلفة، هذا بخلاف الحوادث الإرهابية الأكثر ضخامة من حيث حجم الضحايا.

 تزايد عدد الحوادث الإرهابية ليس جديدا، فقد أظهرت دراسة – نشرتها صحيفة الـ "ديلي إكسبريس" البريطانية- لـ" قاعدة بيانات الإرهاب العالمي" Global Terrorism Database أن عدد الحوادث الإرهابية في غرب أوروبا عام 2016 بلغ 30 حادثًا. وعدد الحوادث الإرهابية في أوروبا بلغ 23 حادثًا في عام 2015، في حين كان أقل بذلك بكثير عام 2014، حيث لم يزد عدد الحوادث عن حادثتين، وهو العام نفسه الذي شهد إعلان تنظيم الدولة الإسلامية خلافته المزعومة.

التناقض بين إعلان تنظيم الدولة عن قيام "الخلافة الإسلامية" وبين قلة عدد العمليات الإرهابية التي قام بها التنظيم في العام نفسه، وازدياد عدد الحوادث مع بداية الضغط على التنظيم ومحاربته في معاقله في سوريا والعراق يمكن تفسيره في إطار ما قاله الدكتور ساجان جوهيل، خبير الأمن الدولي، والذي قال في تصريح لصحيفة"الديلي إكسبريس" إن تنظيم الدولة الإسلامية يهتم بعدد العمليات التي يقوم بها، وهو لذلك يركز على الإكثار من العمليات الإرهابية التي قد تبدو بسيطة من حيث الحجم، ولكنها كبيرة من حيث التأثير. وأضاف أن الأسلحة الخفيفة تظل هي السلاح الرئيسي لتنظيم الدولة رغم اختلاف تكتيكات العمليات الإرهابية.

صحيفة الجارديان البريطانية نشرت تقريرا في أغسطس الماضي تشير فيه إلى التناقض بين تناقص أعداد مقاتلي تنظيم الدولة وازدياد عدد العمليات الإرهابية في 2016، هذا التناقض الذي لم تجد الجارديان تفسيرا له، يشير إلى الطبيعة الخاصة لتنظيم الدولة الإسلامية. فالتنظيم انهار في سوريا والعراق، ولكن انهيار الكيان المزعوم لا يعني القضاء عليه، فالواقع يشير إلى أن التنظيم لم ينهار على مستوى تنسيق الخلايا.

من يقرأ في أدبيات تكتيكات "تنظيم الدولة" يعرف أنه يقوم في الأساس على خلايا صغيرة مستقلة أو خلايا غير عنقودية، فهي ليست مرتبطة في حركتها ولا في تكوينها بأية إدارة مركزية، ولأفراد هذه الخلايا طرق مختلفة للتواصل فيما بينهم، ولهم الحرية في اختيار أهدافهم. 

منظرو تنظيم الدولة الإسلامية كانوا دائما ما يحذرون الخلايا من الاتصال بأشخاص من خارج الخلية، حتى وإن كان هؤلاء الأشخاص من خلية أخرى داخل التنظيم نفسه، وهذه التنظيمات غير العنقودية تعني ببساطة أن تفكك تنظيم الدولة الإسلامية سيفرز الآلاف من الخلايا الصغيرة التي ستقوم بعمليات إرهابية في المستقبل. ازدياد عدد العمليات الإرهابية يبدو أيضا منطقيا مع هروب معظم مقاتلي تنظيم الدولة، فالأعداد التي كانت تقاتل مع تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق بلغت عشرات الآلاف.

الجنرال الأمريكي، ريموند توماس، قائد العمليات الخاصة في الجيش الأمريكي قال في تصريح له في يوليو 2017، ونشره موقع "بيزنس انسيدر" Business Insider إن القوات الأمريكية قضت على نحو 60-70 ألفا من مقاتلي داعش. ورغم أن الجنرال الأمريكي أكد مقتل هذا العدد الهائل من مقاتلي التنظيم فإنه لا يمكن التأكيد بأن القوات الأمريكية قتلت هذا العدد فعلا.

بل إن الجنرال ريموند توماس قال في التقرير نفسه "إن ما يعنيه أن كل قاتل أو عمل مع هذا التنظيم إما مات أو ذهب". هذا التصريح قد يعني أن عدد مقاتلي داعش قد تجاوز 70 ألف مقاتل قتلتهم التحالف الدولي ضد داعش وأن من لم يمت فر، أو أن التحالف الدولي لم يقتل 70 ألف مقاتل، بل قتل من قتل وفر من فر، وأن عدد القتلى والفارين بلغ 70 ألف مقاتل.

تفكك تنظيم داعش– أو الكيان المسمى بتنظيم الدولة– يتطلب المزيد من التعاون على مستوى تبادل المعلومات الخاصة بالأفراد المقاتلين في التنظيم، أو الذين انضموا له، فهناك الآلاف من الفارين، بل إن هناك الآلاف ممن خرجوا من المناطق التي سيطروا عليها من سوريا بأسلحتهم الخفيفة وفقا للتسوية التي تمت بين مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية وبين حزب الله اللبناني، فأين ذهب هؤلاء المقاتلون؟ أغلب الظن أنهم سقطوا سهوا من الإحصائية الخاصة بالجنرال الأمريكي ريموند توماس.
الجريدة الرسمية