رئيس التحرير
عصام كامل

المؤرخ عاصم الدسوقي يرد على مذكرات عمرو موسى: مليئة بالأكاذيب والافتراءات على عبد الناصر

فيتو


  • موسى يريد اكتساب بطولات وهمية على حساب الزعيم 
  • طعام عبد الناصر لم يكن من سويسرا وكان لا يأكل إلا الجبن والجرجير
  • قرار التنحي لم يكن مسرحية واسألوا الملايين التي خرجت في وفاة عبد الناصر
  • الأمريكان يضعون العقبات أمام السيسي خوفا من أن يكون ناصر آخر
  • المؤرخ جمال حماد كان دائما ضد عبد الناصر ولم يؤرخ للثورة بحيادية

هو «شاهد عيان» على أحداث كبرى في التاريخ المصري، بدءًا من«حريق القاهرة» قبل أن يكون أستاذًا للتاريخ الحديث ومؤرخًا للحركة الوطنية المصرية وحتى ثورتي 25 يناير و30 يونيو وفترة حكم الرئيس السيسي، فقد شاءت الأقدار أن يكون في قلب الحدث حتى إعلان وزير الخارجية الأسبق والمرشح الرئاسي السابق عمرو موسى لمذكراته التي هاجم فيها الرئيس عبد الناصر.

إنه المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقي، الذي قال في حوار لـ"فيتو"، إن مذكرات عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية الأسبق، محاولة لصناعة بطولة لنفسه من خلال تناوله للعديد من الافتراءات على الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وزعم ارتكابه أخطاء أدت إلى هزيمة يونيو67 وأن قرار التنحي كان مسرحية في حين أنه مجَّد في كل من السادات ومبارك.

وأكد أن السيسي يتمتع بكاريزما عبدالناصر، من خلال القرارات التي اتخذها لصالح البسطاء؛ مما جعل الناس ترفع صوره إلى جانب صور الزعيم جمال عبد الناصر، مؤكدا أنه مع حظر الأحزاب التي تقوم على أساس ديني والموجودة في الساحة السياسية نتيجة الضغوط الأمريكية، ومنها حزبي النور والبناء والتنمية.

الدكتور عاصم الدسوقي، يقدم «شهادة تاريخية» في سطور هذا الحوار.. 


** في البداية ما الشروط العلمية والمنهجية التي يجب توافرها فيمن يكتبون مذكراتهم، وهم أحياء مثلما فعل عمرو موسى؟

- من ينشرون مذكراتهم وهم أحياء دائمًا يكذبون مثلما فعل عمرو موسى في مذكراته الأخيرة؛ لأنه ينتقي بعض الأحداث ويهمل البعض الآخر ليظهر نفسه في ثوب البطولة وهذا عكس ما فعله سعد زغلول في مذكراته، عندما اعترف أن داء الخمر والقمار تمكن منه، وكذلك فعل محمد فريد في مذكراته التي تركها بأنه كان يهاجم خصومه السياسيين ويسبهم بأبشع الألفاظ أما عمرو موسى فأخذ من الأحداث ما يبرر فكرته بانتقاء الأحداث التي لا تدينه، وهو سلوك أشبه بدراما وحيد حامد في مسلسل الجماعة.

** ما تعليقك على الانتقادات التي وجهها إلى جمال عبد الناصر من إحضار طعامه من الخارج واتخاذ قرارات خاطئة أدت لهزيمة 67 وإفساد الحياة السياسية؟

- هذه الانتقادات التي ساقها عمرو موسى لا أساس لها من الصحة، وهي افتراء على عبد الناصر واتهامات غير صحيحة؛ لأن عمرو موسى أصدر أحكامًا دون دراسة للظروف المحيطة بالأحداث، ونحن لا نحاكم التاريخ وإنما نفسره ولو كان عمرو موسى مكان عبد الناصر وفي نفس الظروف المحيطة لسلك نفس المسلك خاصة وأن إسرائيل كانت تحشد قواتها على الحدود، وبالتالي كان عليه أن يحشد قواته ويطالب بسحب قوات الطوارئ الدولية التي كانت تضمن لإسرائيل الملاحة في خليج العقبة من خلال الفخ الذي وضعته أمريكا لعبد الناصر بعد العدوان الثلاثي، ويكفي أن أيزينهاور كان يردد «عبد الناصر لازم يمشي»، وبالتالي قرار عبد الناصر لم يكن خاطئًا؛ لأنه كان يؤمن أن تأمين الثورة لن يتحقق إلا بتأمين الدول المحيطة العربية والأفريقية وإسرائيل أدركت ذلك ووثقت علاقتها بإيران وتركيا والحبشة لخنق العالم العربي.

أما ادعاء عمرو موسى أن عبد الناصر كان يحضر طعامه من سويسرا، فهذه أكاذيب لأن الجميع يعلم أن عبد الناصر كان لا يأكل إلا الجبن والجرجير، ولماذا لم يقل عمرو موسى إن هذا الطعام لشخص آخر غير عبد الناصر؟.

** ولكن عمرو موسى يرى أن عبد الناصر تسبب في إفساد الحياة السياسية لترسيخ حكم الفرد؟

- هذا الكلام أيضا غير صحيح وعمرو موسى لم يقرأ التاريخ لأن عبد الناصر كان يريد أن يتجاوز مرحلة يوليو 1952 ومن رددوا ذلك كانوا يتحدثون عن دستور 1923 على أنه كان دستورا ليبراليا، وأن عبد الناصر قتل هذه التجربة لكن الحقيقة أن هذا الدستور كان مقيدا فمثلا في باب الحريات كل حرية منصوص عليها كانت عبارة في حدود القانون والعادات والتقاليد، وبالتالي فهي مقيدة وكان السبب هو وجود الحزب الشيوعي أما في باب البرلمان نص على أن من يرشح نفسه لمجلس الشيوخ يكون من الذين يدفعون ضريبة أطيان زراعية 150 جنيهًا أي أنه يمتلك 300 فدان وبالتالي فهو مجلس إقطاعيين أما من يترشح لمجلس النواب يسدد 150 جنيهًا كتأمين ضمانًا للجدية ولا ترد إلا إذا حاز على نسبة 5% من الأصوات، وبالتالي النواب كانوا من الإقطاعيين ولا ينتظر منهم شيء والدليل على ذلك أن أحد النواب طلب زيادة ميزانية التعليم الإلزامي لأبناء الفلاحين إلا أن النائب محمد عزيز أباظة قال إن تعليم أولاد الفلاحين يعد طفرة وسيجعلهم يغيرون طبيعتهم ويتمردون على مهنة الآباء، وفي عام 44 في عهد حكومة الوفد صدر قانون بتحرير عقد عمل لمن يعمل في الشركات والورش والمصانع لحماية العمال، ولكنه استثنى عمال الخدمات والمحال والمراكب والزراعة، وعبد الناصر أصلح كل هذا وبالتالي ليس من المنطقي أن نقول إنه أفسد الحياة السياسية.

** وما تعليقك على وصف عمرو موسى لقرار عبد الناصر بالتنحي بعد هزيمة يونيو بأنه مسرحية؟

- عمرو موسى يحاول قلب الحقائق وكلامه غير صحيح لأن عبد الناصر كان صريحًا مع الشعب في طلب التنحي، وهذه شجاعة أن يعلن تحمله المسئولية وبالتالي الأمر ليس مسرحية على الرغم من التنبيه على القوات المسلحة بأن المعلومات تقول إن إسرائيل ستقوم بعدوان أحد يومي 4 أو5 يونيو 1967 فلماذا لا يلوم عمرو موسى على المشير عبد الحكيم عامر، والدليل على أن كلام عمرو موسى فقاعات هواء أن الشعب خرج بالملايين في وفاة عبد الناصر فهل هذه تمثيلية.

** لماذا يؤرق عبد الناصر خصومه السياسيين حتى بعد وفاته؟
 
- هذه حقيقة وهذا يعود إلى ما يحاك ضدنا من الخارج ومقولة أيزينهاور «عبد الناصر لازم يمشي»، وبعد وفاته كان كلامهم «لا ناصر مرة أخرى» حتى يحافظون على أن تظل مصر تابعة للسوق الرأسمالية العالمية، والسادات هو من منحهم هذه الفرصة بدعوى الاقتصاد الحر وترك الطبقة الوسطى لا ظهير لهم وفتح الباب للهجوم على عبد الناصر لكن الشعب المصري لم يكن يقتنع بكلام السادات ولكن كان مقتنعا بكذبه وقالوا عن كتابه البحث عن الذات بأنه البحث عن الزيت، واتبع مبارك نفس نهجه وقضى على الفلاحين بقانون العلاقة بين المالك والمستأجر حتى جاءت 25 يناير التي أسقطت النظام دون أن تسقط فلسفته وهي لا عودة لعبد الناصر آخر؛ ولذلك عندما جاء السيسي وظهرت منه بوادر أوحت للناس أنه سيكون عبد الناصر عند سداد ديون السيدات الغارمات من ميزانية الدولة. وأسقط ديون الفلاحين رفع الناس صوره مع صور عبد الناصر مما أدى إلى خوف أمريكا.

** وهل تعتقد أن السيسي يمتلك كاريزما عبد الناصر فعلا؟

- نعم فكاريزما هذا الرجل جاءت من القرارات التي يتخذها والناس اعتقدت أنه عبد الناصر آخر وهذا يسبب له مشكلة، وهي الأمريكان الذين لا يريدون عبد الناصر آخر وبالتالي يضعون العقبات أمامه، وبالتالي ثورة 25 يناير لم تكن نتيجة لثورة 23 يوليو كما يحاول الإخوان الترويج لذلك وإنما كانت ضد رءوس نظام السادات ومبارك وليس عبد الناصر.

** وما رأيك في دفاع عمرو موسى عن مبارك في مذكراته، وأنه أخذ عليه خشيته من مواجهة إسرائيل ووصف السادات بأنه ثعلب ماكر فما قولك؟

- وصف السادات بالثعلب الماكر أمر صحيح ولكنه وضع نفسه في خدمة الأجندة الأمريكية والإسرائيلية ساعده في ذلك انتصار أكتوبر الذي أدى إلى تسوية سياسية من خلال الدور الأمريكي؛ ولكن يعيب عليه أن يتفاوض وهو المنتصر مع المهزوم وهي إسرائيل علمًا أن عبد الناصر عقب هزيمة 67 عرضوا عليه الانسحاب مقابل الاعتراف بإسرائيل، ولكنه رفض، وهذا الأمر عبر عنه محمد حسنين هيكل في مقال 2 فبراير 1974 بعنوان "اللانصر واللاهزيمة"، ودفع ثمن ذلك إقالته من الأهرام وهذا يلقي بالشبهة على التسوية.

أما مبارك كان أفضل لعمرو موسى أن يقول إن مبارك تابع نفس سياسة السادات والأجندة الأمريكية، وهنا لعمرو موسى مبرراته لأنه كان يعمل مع مبارك وطبيعي أن يدافع عنه.

** عبد الناصر لم يسلم من انتقادات المؤرخ جمال حماد في اعتباره أن أزمة مارس 1954 أحد أخطاء عبد الناصر مدى صحة ذلك وهل هذا الأمر كان مدبرا؟

- هذا الكلام خطأ وجمال حماد لم يلتزم بشروط الكتابة التاريخية وإنما كتب من منطلق أنه ضد عبد الناصر متناسيًا ما فعله هو ومحمد نجيب من التحالف مع الإخوان للقضاء على عبد الناصر بشهادة اليوزباشي محمد رياض السكرتير الخاص لمحمد نجيب.

** وما قولك فيما ذكره جمال حماد من أن عبد الناصر كان يخطط للانفراد بالسلطة منذ اليوم الأول لثورة 23 يوليو؟

- الانفراد بالسلطة وقت الثورة ليس عيبًا حتى لا يحدث الاختلاف في حالة حدوث حوار مجتمعي، بدليل أن الدستور الأمريكي يعطي الرئيس حق الاعتراض على أي مشروع قانون جاء من الكونجرس، وبالتالي عبد الناصر لم يكن يسعى للانفراد بالسلطة لشخصه وإنما من أجل مصلحة وطنية وأي بلد يقام بها ثورة لا بد أن يكون بها متضررون؛ ولكن إذا كان المستفيدون 75% فهي خطوة إيجابية.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ «فيتو»
الجريدة الرسمية