رئيس التحرير
عصام كامل

جنايني مشتل ببورسعيد.. أعمال شاقة في حب الزهور

فيتو

عندما تنظر إلى يده، تشعر كأنك تنظر إلى جسم صلب خشن، نحتت فيه التشققات طرقا، وصالت وجالت دون رحمة، وتشعر بأنه عندما يمسك بالفأس، فإنه أشبه ما يكون بمحارب يمسك بين يديه بندقيته في شجاعة للدفاع عن حياته.


"جنايني مشتل ببورسعيد" هو مسمى وظيفته، والذي يستيقظ مبكرا يوميا حاملا فأسه بيده الخشنة التي تملؤها التشققات، ولا يعرف في حياته سوى الفأس.. والمقص.. ولفحة الشمس الحارقة، وبالرغم من مشقة مهنته، إلا أن جماله الداخلي وعشقه للزهور أضفي على روحه لمسة جمالية، تشعر بها عندما تجده يحافظ على وريقات الزهرة الصغيرة وكأنه يحافظ على "لؤلؤة داخل محارة".

توجهت عدسة "فيتو" إلى أحد مشاتل بورسعيد لنجد أكثر من مزارع، ولكننا التقينا بـ"عم لطفي" جنايني المشتل، يستقبلنا بابتسامة وهو يسقي النباتات وينسق الورود، فوجدناه أشبه ما يكون برسام ذي ذوق راق بداخل زي "جنايني".

وعندما خطونا أول خطوة بداخل المشتل وجدنا رائحة الفل والياسمين تفوح من الأركان، بينما أشجار الظل والزينة تغطى أسوار المشتل.

وراثة المهنة
"مهنتي سر قوتى يا أستاذة" بهذه الكلمات استقبلنا "عمل لطفي" في مدخل المشتل، متابعا: "الزراعة هي أساس كل شيء، أجدادنا الفراعنة أسسوا أكبر حضارة في العالم على مياه النيل عن طريق الزراعة، ونحن ورثنا منهم الدقة والفن فيها".

واستكمل عم لطفي: "لقد ورثت مهنتي كجنايني من أبي، وأبي ورثها من أبيه"، قائلا: "حب الزهور والزراعة بتجري في دمي".

الشيب والشباب
وأثناء حديثنا مع "عم لطفي" انتابنا شعور بالاستغراب لكبر سنه، والذي تجاوز الستين، ومن قبل أن نسأله عن ذلك قال باسما وقد فطن لما يجول في خاطرنا: "عمر العمر يا بنتي ما كان بالأرقام العمر بالسعادة".

وتابع بوجه ضاحك: "أنا سعادتي وسط الزهور، وبالرغم إني عارف إني عجوز وملامحي سيطر عليها الشيبة والشعر الأبيض، إلا أنني أستمد شبابي من عملي وسط الورود والنباتات".


الفلاح فنان
وقال جنايني مشتل بورسعيد "الفلاح فنان وقادر بفأسه أن يزرع الجمال بالزهور والأشجار في الميادين والشوارع"، واستكمل: "الزراعة تعلمني الصبر وسعة الأفق، فأكون قادر على التخيل والابتكار".

وتابع عم لطفي: "الجنايني لازم يكون له ذوق عالي، شغل البستنة ده فن وله أصول، لأن كل زرعة لها شكل هندسي معين، وذلك يتوقف على شكل المكان".

الصبر
ولفت جنايني بورسعيد: "أهم شيء تقدر تتعلمه من زراعة الزهور، التحلي بالصبر والتروي والعقل، فأنت تزرع بذره صماء، ولكن بصبرك وبإيمانك بالله تكون على يقين بأنها ستتحول إلى شجره وزهور خلابة".

واختتم عم لطفي جنايني مشتل بورسعيد قائلا: "الأرض كلما اجتهدت فيها، ورويتها بعرقك تعطيك خير لا حدود له، فالمزارع فنان يصنع الجمال ويجعل منه واقعا ملموسا تراه العين فيسر الناظرين".
الجريدة الرسمية