رئيس التحرير
عصام كامل

جاسوسية أشرف مروان.. لغز يرفض الاعتراف بـ"قدسية الموت".. هيكل تعامل معه بمنطق "مسك العصا من المنتصف".. وروزاليوسف نقلت عن مبارك اتهامه للقذافى بقتله بسبب "عمولات السلاح".. وهاآرتس تؤكد أنه ضلل الموساد

أرشيفية
أرشيفية

يبقى اسم أشرف مروان، والذى عرف إسرائيلياً بالعميل "الصهر"، نسبة إلى زواجه من ابنة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، أحد أهم الشخصيات التى ذهبت إلى العالم الآخر حاملة معها خزائن أسرارها، حتى إن الإجابة عن سؤال حول ما إذا كان مروان عميلاً للمخابرات المصرية، أو أنه كان عميلاً للمخابرات الإسرائيلية، أم أنه عمل لصالح نفسه كعميل مزدوج ما بين البلدين، أسئلة لن يكون من السهل الإجابة عليها.


بلغ حد الشك أن كاتباً بحجم محمد حسنين هيكل، رغم قربه من دائرة الأحداث لم يتوصل لإجابة مقنعة لتلك الأسئلة، بالرغم من أنه خصص فصلاً كاملاً للحديث عن مروان فى كتابه "مبارك وزمانه".

انتهى هيكل إلى أنه حصل على وثائق من محاضر الاجتماعات والتحقيقات حول «التقصير» فى الحرب، ووجد فيها محاضر اجتماعات أنور السادات والرئيس السوفيتى ليونيد بريجنيف أثناء زيارة السادات السرية إلى موسكو فى مارس 1971، كما وجد فى محاضر لجان التحقيق الإسرائيلية صورا لعشرات الوثائق من أوراق الرئاسة المصرية، مؤكداً أن كرامة البلد وسمعة أشرف مروان نفسه تتطلب تحقيقا مصريا فى الموضوع بواسطة هيئة رفيعة المستوى تضم عناصر قضائية وبرلمانية وتمثل فيها المخابرات الحربية والمخابرات العامة فى مصر.

وراح هيكل يمسك العصا من المنتصف بذكائه المعهود، مضيفاً أن إبلاغ إسرائيل بأن الهجوم موعده السادسة مساءً كان صحيحا لأن هذه كانت الساعة المقررة فعلا ثم وقع خلاف بين الفريق أحمد إسماعيل وزير الدفاع المصرى واللواء يوسف شكور قائد الجيش السورى لأن القيادة المصرية كانت تفضل بدء الهجوم فى الساعة السادسة لكى تستفيد من مجىء الليل ليحمى عمليات المهندسين فى بناء الجسور، وكانت القيادات السورية تفضل السادسة صباحا مع أول ضوء لكى تستعين بالشمس فى مواجهة الدبابات الإسرائيلية على هضبة الجولان، وتدخل الرئيس السورى حافظ الأسد وتم التوصل إلى اختيار الثانية بعد الظهر.

كان أشرف مروان سافر إلى ليبيا يوم 2 أكتوبر لكى يخطر القذافى بأن المعركة سوف تبدأ فى السادسة مساءً، أى أن مروان لم يكن فى مصر عندما تغيرت ساعة الصفر من الساعة السادسة مساءً إلى الثانية بعد الظهر، وهو أمر لابد من بحثه وإلا وقعت الإساءة إلى مروان وهذا ظلم له، إلا إذا ثبت شىء آخر، على حد قول هيكل.

ويحكى الأستاذ هيكل أنه التقى أشرف مروان فى لندن وسأله إن كان الرئيس مبارك يمنعه من السفر إلى القاهرة، فكان رد مروان: هو لا يستطيع أن يمنعنى لأنه يعرف أننى أستطيع تدميره.. وأستطيع تدمير غيره.. وقالها وكررها.. وقال له أيضا: هل تصدق أن صهر جمال عبدالناصر جاسوس؟ ولم يكتمل الحديث بينهما فافترقا على موعد للقاء صباح اليوم التالى، ولكن أشرف بعث سائقه بورقة فيها اعتذار عن عدم الحضور لأنه أصيب بنزيف فى الصباح واضطر للذهاب إلى المستشفى وسوف يتصل به فى الساعة الخامسة مساءً لتحديد موعدا آخر للقاء.. ولم يتصل مروان.

يلخص الأستاذ هيكل المسألة بأنه أصبح مؤكدا الآن أن إسرائيل كان لها فى مصر جاسوسا على مستوى عال أبلغها بيوم الهجوم، ولم يكن هذا الجاسوس عميلا مزدوجا لعدم وجود ورقة فى رئاسة الجمهورية ولا فى المخابرات العامة تحتوى إشارة عن نشاطه، وهذه نقطة حرجة كما يقول هيكل، وكان وجود هذا الجاسوس ظاهرا حتى فى أول رسالة بعثت بها رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير إلى الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون قبل أن تبدأ العمليات بعشر ساعات على الأقل.. ويتساءل هيكل كما يتساءل كل مصرى من هو هذا الجاسوس؟

ذهبت صحيفة روزاليوسف، ضمن التقارير التى نشرتها على أنها مذكرات للرئيس السابق حسنى مبارك، إلى أن مبارك يرى أن أشرف مروان قتله القذافى لخلاف بينهما حول عمولات سلاح لدول أفريقية والذين ألقوه من الدور الرابع كانوا من المخابرات الليبية، ولم يصدر تكذيب للمذكرات وما جاء فيها.

واليوم تنشر جريدة هاآرتس الإسرائيلية ما قالت إنه وثائق أفرجت عنها حكومة تل أبيب مؤخرا حول لجنة "جرانت" التى كونتها إسرائيل عقب هزيمتها فى حرب السادس من أكتوبر عام 1973 لتقصى حقائق هزيمتها فى المعركة، مشيرة إلى أن العميل المصرى أشرف مروان ضلل كلا من رئيسه الوزراء الإسرائيلية فى ذلك الوقت جولدا مائير، ورئيس جهاز الموساد تسفى زامير، وأعطى كلا منهما مواعيد متضاربة حول الضربة العسكرية المصرية المرتقبة ضد إسرائيل.

وأوضحت الوثائق، التى نشرتها صحيفة هاآرتس الإسرائيلية، أن المعلومات العسكرية لدى أجهزة المخابرات لم تكن كافية لتوقع موعد الحرب بل وكانت متضاربة، من أجل الاستعداد لعمل عسكرى وقائى لردع المصريين قبل خوضهم المعركة، وترجيح كفة الميزان فى صالح الجيش الإسرائيلى.

وأكدت الوثائق أن جهاز الاستخبارات العسكرية التابع للجيش الإسرائيلى فشل فشلا ذريعا فى تلقى المعلومات حول بدء المعركة، كما أن وسائل الردع الإسرائيلية فشلت هى الأخرى فى صد الهجوم المصرى.

وأوضحت الوثائق أن يسرائيل ليئور، مساعد جولدا مائير قال خلال إدلائه بشهادته أمام اللجنة إن المصدر نفسه فى إشاره إلى أشرف مروان قال لنا إن موعد الحرب سيكون يوم الجمعة أى عشية عيد يوم الغفران بـ 24 ساعة، وتحدث لنا ثلاث مرات بالفعل، مشيرا إلى عقد اجتماع بين زامير ومروان فى لندن تمت خلاله مناقشة موعد الحرب، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلية قالت إن مروان أخبرها من قبل بأن الحرب قد تنشب فى خلال شهر ونصف الشهر أو شهرين، وذلك خلال اجتماعها الأخير معه فى 21 سبتمبر أى قبل أسبوعين من الحرب، الأمر الذى جعلها تتشكك فى معلومات مصدر رئيس الموساد والتى لم تكن تعلم من هو.

وأكد ليئور أن رئيس الموساد لم يخبر مائير أن عميله السرى الذى سيقابله فى لندن لأمر مهم هو أشرف مروان، وأن جولدا لم تكن تعلم بأنه سيقابل نفس المصدر الذى كانت تتواصل معه بصورة شخصية، بل إنها صعقت بعدما علمت عقب المعركة أن مروان كان يستخدم نفس كلمة السر معها خلال لقائه بزامير وهى المواد الكيميائية.

وأوضح ليئور أن جولدا مائير لم تتشكك فى معلومات مروان الذى كان ينظر إليه فى وقت لاحق للحرب بأن معلوماته كانت صحيحة حول التوقيت الدقيق للهجوم المصرى والسورى، مشيرا إلى أنه كان صحيحا فى جوهره بشأن الشروع فى الحرب المشتركة، ولكن مجموعة أخرى من المعلومات جاءت باستنتاجات مفادها أن نشوب الحرب أمر غير مرجح.
الجريدة الرسمية