رئيس التحرير
عصام كامل

بالفيديو والصور.. التشكيلى محمد عبلة: أستمد طاقتى من البسطاء.. والجرافيتى ليس فنًا

فيتو

منذ اليوم الأول لثورة يناير 2011 تلاحم الفنان التشكيلى المعاصر محمد عبلة مع الحياة اليومية للبسطاء، ليشاركهم عبر لوحاته كل التفاصيل المتعلقة بأوجاع الوطن السياسية والاجتماعية، فى محاولة جديدة لخلق صداقة مشتركة بين الفن التشكيلى والعامة فى شوارع وميادين مصر، متجاوزا بذلك حدود الشفرات الخاصة بلوحات الفن التشكيلى بعد أن تلامس ومشاعر البسطاء، عبر قدرته على توظيف الطبيعة والمواطن المصرى الكادح داخل لوحاته بشكل تشكيلى جماهيرى جمع بين المشاهد الجغرافية والفولكلور.

"فيتو" حاورت الفنان التشكيلى محمد عبلة، داخل معرضه الأخير"البحث عن الضوء"، فكان إخلاصا لجمهوره وفرصة جديدة لالتقاط الأنفاس، حدثنا عن"الفن ميدان" وتجاهل وزير الثقافة الدكتور صابر عرب هذه الفاعلية الثقافية الهامة، كما انتقل بنا لتجربته داخل ميدان التحرير، ومنها كان اعترافه الأول "أنا ضد الحكومة".
والمزيد من التفاصيل فى هذا الحوار..
بداية حدثنا عن معرضك الأخير"البحث عن الضوء"؟
فكرة معرض " البحث عن الضوء" بدأت فى نهاية عام 2010، وكنت أخشى من نظرة الجمهور وقراءاتهم للوحات، وتساءلت: هل سترى بعين المواطن المنخرط فى الأحداث السياسية الطاحنة، باعتبارها من وجهة نظر المشاهد مناظر طبيعية يتم عرضها والوطن فى حالة من الغليان تقربه أكثر من احتمالات السقوط، ولكن المعرض ببساطة شديدة كان بالنسبة لى رحلة للبحث عن السعادة، فبحْث الفنان عن خلاصه الشخصى يعنى أيضا اهتمامه بالبحث عن خلاص الآخرين، فالمشهد مضطرب جدا ويدعو للكآبة والجميع يتدافعون فى مساحات ضيقة تملؤها رائحة الغاز وصخب الشعارات، ولا يتاح للمواطن العادى فرصة واحدة يلتقط فيها أنفاسه، لذا فضلت الانتقال إلى الفضاء والبراح فى رحلة بحث طويلة كوسيلة جديدة لاستمداد القوة من الطبيعة، فالأخيرة هى الباقية وصاحبة متعة خاصة، ولأن الضوء يمثل الحياة بالنسبة للفن خرجت اللوحات تمجد الطبيعة وتقدم المشهد بكل وضوح، وخالية تماما من تعقيدات تجرد اللون وتحليل المدارس الفنية ومبالغات التكوين والتحوير.
وماذا عن مشاركتك فى فاعلية "الفن ميدان" الشهرية؟
فى"الفن ميدان" ندافع عن وجودنا من خلال الحوار وتكثيف أنشطتنا، فالحياة صراع بالضرورة لكننا لا نصل إلى العنف إطلاقا، وهذا ينقل للتيارات المتطرفة مدة قوة وصلابة الفنانين وإصرارهم على الوجود، فأنا أحد مؤسسى "الفن ميدان" والكل يعرف أنه حدث ثقافى تم تنظيمه لأول مرة فى أبريل 2011، ويقام أول سبت من كل شهر فى ميدان عابدين بالقاهرة، بالإضافة إلى أكثر من 12 محافظة أخرى فى نفس اليوم، ويتضمن حفلات موسيقية، ومسرح للعرائس ومعارض تشكيلية وحرفية مفتوحة، من أجل تقديم الفنون للناس فى الشوارع، والآن يديره وينظمه الشباب بشكل كلى منذ أشهر، فنحن ندعم أنفسنا بشكل أساسى وكان هناك دعم محدود للغاية من وزارة الثقافة فى الأشهر الثلاثة الأولى ولكن انقطع حتى هذه اللحظة، لأن وزارة الثقافة مبادرتها فى هذا الجانب ضعيفة بعض الشيء، وتكون عادة خاضعة للمصالح، فهى لا زالت تعيش فى الأجواء الرسمية للمهرجانات والجوائز والمؤتمرات ورافضة لكل ما له علاقة بالهواه والشارع، وفى فترة تولى الدكتور "عماد أبو غازى" وزارة الثقافة كان يحتفل معنا السبت الأول من كل شهر، سواء بالحضور أو بالدعم، أما الوزير الحالى الدكتور صابر عرب، نرسل له الدعوات شهريا ويتجاهلها دون مبرر؟!.. نتمنى أن يأتى للفن ميدان ويفخر بما صنعه الشباب الموهوب، ولكن أثبت لنا أن خطواته الإيجابية نادرة وتحركاته على الصعيد التفاعلى للشارع المصرى تأتى بصعوبة شديدة، ولكننا فى كل الحالات مصرون على الاستمرار، لنؤكد أن الفن ملك للناس والشارع.
تجربتك الفنية داخل "ميدان التحرير" كانت ممتدة ومتداخلة، هل أتت المشاركة باعتبارك فنانا أم ناشطا سياسيا؟
قضيت الـ 18 يوما الأولى للثورة فى ميدان التحرير ثم بدأت فى التوثيق اللحظى خلال الأشهر التالية لـ يناير 2011، فأنا لم أشترك فى الثورة كناشط ولكننى شاركت فيها كفنان، لأن لحظة الإبداع تأتى عندما لا أفكر فى الجودة أو التاريخ أو المسافة، والنتيجة كانت عامان من الرسم فى الميدان، خلالهما قمت بتنظيم عدة ورش فنية للأطفال فى ميدان التحرير توفر لهم فرصة للتعبير عن أنفسهم من خلال الفن، فالفنان الحقيقى دائما خياله يتسع لرفض كل ما هو عادى وروتينى ولا يستسلم للواقع، كأن يكون ضد السائد أو ضد الحكومات والرؤساء، فأنا مثلا "ضد الحكومة وهفضل كده لحد ما أموت"، لأن الفنان يحلم دائما بالأفضل للشعوب وخاصة شعبه ووطنه، ومن المفترض على كل مبدع أن يحلم بمستقبل أفضل وواقع أجمل، واهتمامات الفنان السياسية هى جزء من حلمه ومن طريقة تفكيره فى المستقبل، لذلك أؤمن بالأمل، رغم أننى لا أنتمى لأى حزب أو تيار سياسى أو دينى.
أما عن حالة مصر الآن ومصير الثورة، فأنا متفاءل جدا ولا أمتلك سوى رهانى على المستقبل، فالثورة لم تفشل بل مستمرة ولم تنته بعد، بل حققنا نجاحا كبيرا يتمثل فى انتصار الشعب على ذاته حينما صرخ واحتج ورفض الواقع، فالنتيجة التى انتظرها أنا وأنت والشعب بأكمله ستأتى ولكن لم يحن وقتها بعد، ومصر حالة خاصة، لديها تاريخ طويل من الاحتلال، والغزاة والصراعات الداخلية إلا أنها تنتصر دائما، فسوف يبتكر المصريون تركيبتهم الخاصة وتكون هناك مساحة للجميع ولكافة الأفكار.
وهل ترى أن علاقة الجمهور بالفن التشكيلى تبدلت بعد ثورة يناير؟
بالطبع، الوضع تحسن كثيرا فلم يعد جمهور الفن التشكيلى مقتصرا على القاعات والمعارض الخاصة، بعد أن انتقلت له كافة الفنون ومعها الفن التشكيلى إلى الساحات والميادين العامة بعد ثورة يناير خاصة ميدان التحرير، فرأى حالة جديدة تمتاز بالبساطة فى محاكاة الحدث وما يتطلع إليه الفرد العادى، لأنه يتحدث عن حياته بشكل أو بآخر.
وماذا عن سيطرة الشخصيات الشعبية والبسيطة على لوحاتك؟
لكل فنان طابع خاص وطقوس معينة تترسخ داخله منذ الصغر ووفقا لفكره واتجاهاته وقضيته أو رسالته لأن لكل فنان رسالة تختلف باختلاف الشخص، فأنا أجلس مع البسطاء واستمد منهم طاقتى وأفكارى فتجد لوحاتى مليئة بشخصيات الواقع قاع المجتمع كالفلاح والمراكبى فهؤلاء أشعر أنى منهم وهناك أوجه شبه عديدة ومشتركة بيننا خاصة فى التكوين.
◄ هل تصنف "الجرافيتى" باعتباره نوعا من أنواع الفن التشكيلى؟

الجرافيتى لا يمكن إدراجه تحت وصف الفن التشكيلى لأنه متعلق بالحدث واللحظة الانفعالية بشكل لا يسمح بمحاسبته بمقاييس الفن العادية المعروفة لدى الرسامين والتشكيليين، ولكن هو حقيقة يمثل حدثا ثقافيا مهما ولد داخل الميادين العامة خاصة ميدان التحرير وشارع محمد محمود، ورسامى الجرافيتى حققوا إنجازات مهمة فى قدرتهم على توصيل رسائل واضحة من خلال الجرافيتى لشرائح بسيطة فى الشارع المصرى، لذا لا يخرج الجرافيتى عن كونه عمل ثورى وحالة لها أهداف سياسية ومنطوق معارض ورؤية مختصرة وقتية تتغير بسرعة بالغة وفقا لمجرى الأحداث السياسية.
فى الفترة الماضية تلقى عدد من المثقفين والفنانين رسائل تهديد عبر الهواتف الشخصية، هل كنت ضمن قائمة المهددين بالاغتيال أو التصفية؟
للأسف وصلتنى هذه الرسائل، وهاتفى الشخصى والموقع الاجتماعى الخاص بى شهدا معى كثيرا من هذه التهديدات غير الواضحة فهى فى مجملها كانت شتائم وتهديدات تافهة من أسماء وجهات لا أعرفها، ولكن لم أشغل نفسى بمثل هذه التفاهات.
وكيف ترى مواجهة دعاة هدم التماثيل والآثار الفرعونية؟
هذه هى إفرازات المجتمع بعد ظهور التيارات الدينية المتشددة، ومصر الآن تعيش حالة من الصراع بين الجهل والعلم وضحت منذ بدء تهديدات الجماعات الإسلامية بهدم تماثيل الحضارة الفرعونية وباقى التماثيل فى ميادين مصر، ولا حل مع هذه الكوارث سوى مواجهتها بالفكر والحوار حتى يتم الترسيخ لمجتمع يتحدث عن الديمقراطية وملامح المستقبل، فطرح الأفكار وتداولها أمر لا بد منه فى حل المشاكل العقائدية، "معندناش حل تانى والإيمان بالحوار طريق المثقفين".
وما هو تقييمك لأداء وزارة الثقافة؟
إجمالا نحن غير راضين عن أداء الوزارة أو كوادرها "دى مؤسسة حكومية" يفضل أن يصدر قرار بإلغائها، الثقافة الحقيقية هناك فى شوارع مصر وميادينها تلك المعروفة لدى المثقف الحقيقى بالثقافة الشعبية أو الجماهيرية.
الجريدة الرسمية