رئيس التحرير
عصام كامل

سيدي الرئيس.. الحلال لم يعد متاحا


كثيرًا من المقولات التي باتت في تعداد الأقوال المأثورة، بل وصلت للأساطير التي طالما نمنا عليها، وفقًا لحكايات جدي _رحمه الله_ من تلك المقولات «الحلال أفضل – الحلال قادم – ربنا يغنينا بالحلال».


فالحلال أفضل والحلال قادم، شعارات، ظلت لعقود يرفعها شباب «السناجل»، الباحثين عن الاستقرار الأسري والارتباط العاطفي، ومع بداية عام 2016 مع ارتفاع أسعار تكاليف الزواج بداية من الذهب، حتى هؤلاء الذي كانوا من المكتفين بـ «دبلتين وبس»، لم يعد بالإمكان حتى الإقدام على تلك المجازفة لشراء دبلة لا يتعدى وزنها الـ 3 جرامات ويصل ثمنها لأكثر من 1500 جنيه، فقرر الشباب الابتعاد عن تلك الرفاهية التي سماها المنعمون «خطوبة»، وقرر الشباب للدخول في الموضوع مباشرة، ورفع شعار «عش العصفورة يقضينا»، من خلال عقد القران والزفاف، ليصطدم بالكارثة الأكبر من أسعار العقارات للإيجار، وحتى من حالفه الحظ بمساعدة والديه، لم يطاوعه ضميره أن «يدخل دنيا»، ويترك ذويه عرضة للحبس نتيجة لتراكم الديون حتى يستر ابنه.

وبعد استغناء الشباب عن رحلة البحث عن الحلال، قرر أن تكون شعار المرحلة «بلاها خطوبة وبلاها جواز»، كان النظام بأكمله قد سخر كل قدراته وخططه لإحباط ذلك الشاب المحطم نفسيًا ليواجه ارتفاعًا غير مسبوق في أسعار كروت الشحن والهواتف المحمولة، والتي قد يراها البعض إحدى سبل الرفاهية والترفيه، ولكنها وفقًا لمتطلبات الحياة من أكثر لوازم احتياجًا فلا منزل يخلو من إحدى وسائل التواصل.

وكأن 2016 لم ترد أن تغادر إلا وتقضي على كل ما هو حلال، حتى فوجئنا بالشريحة الأكبر من أبناء الشعب المصري من يحقدون ويحسدون كل من حالفه الحظ في تقاضي رشوة أو الاستيلاء على ثروة مالية، وذلك منذ أن طالعتنا الأخبار بخبر القبض على صاحب أكبر رشوة والتي قدرت سيولتها المادية أكثر من 150 مليون عبارة عن «24 مليون جنيه و4 ملايين دولار أمريكي و2 مليون يورو ومليون ريـال سعودي»، هذا بالإضافة إلى كمية من المشغولات الذهبية والممتلكات الثابتة.

منذ تلك الوهلة وتحول المتشدقون بالحلال أفضل، من أوائل صفوف الحاقدين على ذلك المرتشي، وأصبح لسان حال الجميع، من منا لا يتمنى أن يكون في محل «سيادة المرتشي»، والكل يقول «ياريتني كنت معاهم».

ورسالتي الآن: «بالله عليكم من أوصلنا لهذه المرحلة»، تلك المرحلة التي كرهنا فيها الحلال ولم يعد بإمكاننا أن نسلك الحرام.

ثم جاءت رسالة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، مطالبًا الشعب بالصبر فقط لـ 6 أشهر، والتي أراد بها تهدئة المصريين وتصبيرهم «على ما بلاهم» من فشل حكومي في أكثر من ملف والتي أدت لكارثة اقتصادية كانت كفيلة بالقضاء على هؤلاء ممن كنا نسميهم «محدودي الدخل»، أولئك الذين كانوا بالكاد يأكلون ويشربون، اليوم اختفت تلك الفئة ليحل محلها متوسطي الدخل، فعذرًا سيدي الرئيس.. الحلال لم يعد متاحًا، لكن وببركة الله على هذا الشعب واثقين من أن الله سيغنينا بالحــلال.
الجريدة الرسمية