رئيس التحرير
عصام كامل

استغاثة إمام.. ونقابة للدعاة


وقفة احتجاجية قام بها أئمة المكافأة بوزارة الأوقاف أمام مجلس الوزراء منذ أيام، للمطالبة بتعيينهم تحت شعار(استغاثة إمام)، طالبوا فيها رئيس الجمهورية وشيخ الأزهر بالتدخل لحل مشكلاتهم، ونجدتهم بعد أن ترددت أنباء (شائعات) بأن الوزارة ألغت تصاريحهم ومنعتهم من اعتلاء المنابر، وكانت وزارة الأوقاف أعلنت أن تلك الأنباء غير صحيحة ولم يتم الاستغناء عن خطباء المكافأة باستثناء ثلاثة أئمة فقط بسبب مخالفتهم لتعليمات الوزارة.


ما سبق يفرض علينا طرح بعض الأسئلة المهمة التي ربما تقودنا إلى أهمية وجود حل يمنع تكرار هذه الوقفات، خصوصا ونحن بصدد قضية أهم وأخطر هي تجديد وتصحيح الخطاب الديني الذي يشكل فيه الدعاة الركيزة الأساسية التي تنطلق منها الدعوة، بالإضافة إلى ركائز أخرى تتصل بالتعليم والثقافة والإعلام والأسرة.. هذا إذا كنا جادين في البحث عن حلول لأخطر مشكلة تواجهنا وتواجه العالم وهي قضية التطرف والإرهاب الذي يرتدي ثوب الدين مثل:

- إذا كانت وزارة الأوقاف تعاني من نقص عدد الأئمة والدعاة وسمحت بنظام أئمة المكافأة.. ما هي آلية إلحاقهم بالعمل وبأي شروط، وما هي ضمانات وظيفتهم؟

- ما الذي يدفع هؤلاء الأئمة والدعاة للوقوف والتظاهر في الشارع أمام مجلس الوزراء وعلي مرأى ومسمع من الناس لعرض استغاثتهم بعيدا عن أي قنوات شرعية توفر لهم قدرا من الهيبة والاحترام؟

- لماذا يطالبون بتدخل الرئيس وشيخ الأزهر وهم تابعون تنظيميا وإشرافيا لوزارة الأوقاف التي بيدها أمر تشغيلهم؟

- هل يليق بالدعوة أن يعتلي المنبر خطيب لديه مسئولية خطيرة في تبليغ الدين الوسطي وجمع شمل الأمة على الخير والصلاح بمجرد حصوله على تصريح يمكن سحبه منه في أي وقت؟

- من يدافع عن هؤلاء وغيرهم من الأئمة والدعاة المعينين بحيث لا تدفعهم الشكوى للوقوف في الشارع بالزى الأزهري الوقور للمطالبة بحمايتهم من التشرد وفقدان وظيفتهم فيفقدون وقارهم وهيبتهم فيخصم ذلك من رصيد مصداقيتهم عند جمهور المتابعين؟

هذه الأسئلة وغيرها الكثير تفرض ضرورة إصدار تشريع لإنشاء نقابة للدعاة يكون لها قانون حاكم يرعي مصالح الدعاة، وينهض بتدريبهم، وتأهيلهم بكل أدوات العصر حتى يتمكنوا من تقديم خطاب ديني مستنير قادر على الرد ومواجهة دعاوي التكفير، والتضليل والتطرف التي نتابع فصولها على مدى الساعة على الشاشات وفي المساجد والزوايا الصغيرة البعيدة عن العيون!

أكثر من 60 ألف إمام وداعية على درجات وظيفية بالأوقاف يعملون تحت ظروف غير مواتية في معظم الأحوال يواجهون أسئلة وأفكار للرد عليها.. هذه الردود تحتاج قراءة ودراسة وأدوات للرد عليها ومواجهتها لا توفرها الوزارة.. لكن توفرها النقابة المنوط بها هذا الدور في تحسين شروط العمل ورفع مستوى الأعضاء وحمايتهم، ورفع مشكلاتهم ومطالبهم إلى أصحاب القرار بشكل قانوني ومشروع بدلا من الوقوف في الشارع ورفع شعارات قد يَفهم منها غير المقصود!

القضاة والدعاة من الفئات التي لا يجوز لها تنظيم وقفات احتجاجية في الشارع حتى لا تفقد هيبتها ومصداقيتها ومن ثم يتوجب وجود كيان قانوني ودستوري للتعبير عنهم.

أكثر من 60 ألف إمام لديهم مسئولية أخلاقية لتصحيح المفاهيم المغلوطة التي يروجها الأدعياء والجهلاء على بعض المنابر وفي كل وسائل الاتصال.. هؤلاء يحتاجون نقابة تجمع شملهم وترعي مصالحهم وتوفر لهم رعاية صحية واجتماعية تليق بهم، وأعتقد أن هذا مطلبا مشروعا أسوة بكل النقابات المهنية الأخرى.

هناك مشروع قانون لإنشاء نقابة للدعاة تقدم به نائب البرلمان مصطفى الكمار للمجلس.. هذا المشروع يجب أن يري النور قريبا وفي أسرع وقت، وأن تتم مناقشته في اللجنة المختصة للموافقة عليه، وأظن أن هذا مطلب شرعي إذ ليس من المقبول تكليف الأئمة والدعاة ببذل الجهد لتوصيل رسالة الإسلام الوسطي ومواجهة أفكار التطرف وهم في حالة قلق وتوتر.. الدعوة رسالة قبل أن تكون وظيفة.

نقابة للدعاة تنظم شئونهم وتحسن مستواهم وتحفظ كرامتهم وهيبتهم من خلال ميثاق شرف يضعوه لأنفسهم يسيرون عليه وضوابط لوقف عشوائية صعود المنابر بالتصاريح أو بدونها.. نقابة للدعاة خطوة مهمة على طريق تصحيح وتجديد الخطاب الديني بوعي واستنارة.
الجريدة الرسمية