رئيس التحرير
عصام كامل

هل يعكس الإعلام اللبناني الواقع السياسي أم يصنعه؟


بعد انتخاب الرئيس ميشال عون، ظن اللبنانيون ومعهم الإعلام اللبناني أن التعقيدات السياسية قد حُلت، وأن تشكيل الحكومة سيكون سريعًا بعد تكليف سعد الحريري الذي سماه غالبية النواب رئيسًا للحكومة. لكن بدأت المخاوف تسيطر على الناس من أن يدخل لبنان في فراغ حكومي، بعد أن ظل في فراغي رئاسي لعامين ونصف العام، وبدأ الإعلام وكأن صبره قد نفد سريعًا.


فتشكيل الحكومة يصطدم بعقبات ما يسمي بـ"التوزير السياسي" أو توزيع الحقائب الوزارية على الكتل السياسية. لكن الإعلام بدأ بسكب البنزين على النار، وكانت المفاجأة أن إشعال الفتيل جاء هذه المرة من جانب صحيفة "السفير" التي هاجمت رئيس تيار التغيير والإصلاح جبران باسيل، وهو زوج بنت رئيس الجمهورية ميشال عون، في مقال بعنوان "أهكذا يكون الوفاء يا جبران" متهمة فيه صراحةً بنسيان عشر سنوات من العيش والملح مع حزب الله، ومعايرة إياه بكيف سعي حزب الله وبشار الأسد لوضعه في وزارة الطاقة من قبل، وعبرت الصحيفة عن هواجسها من أن يكون التيار الوطني الحر قد بدأ في الانقلاب على حزب الله، بعد أن ساهم حزب الله في وضع ميشال عون الزعيم الروحى للتيار الوطني الحر على كرسي الرئاسة، بعد استماتة ورفض شديد لأن يرشح شخصا آخر من حلفائه بمن فيهم سليمان فرنجية زعيم تيار المردة..

وتكمن المشكلة أن التيار الوطني رفض في البداية منح وزارة المالية لحركة أمل، وهي الوزارة التي يصر عليها رئيس مجلس النواب نبيه بري. وهاجم المقال رئيس تيار التغيير والإصلاح بشدة، متهمه بأنه لا يسعى إلا لمصلحة الشخصية، وأنه ورغم تنصل حزب الله من المقال، فإن "تليفزيون إم تي في" تساءل عمن "يقف خلف مقال السفير ومن يستهدفه المقال"، وقال تليفزيون "إم تي في" نقلًا عن مصدر من التيار الوطني الحر لم يسمه: إن المقال جاء في إطار حملة ممنهجة على العهد الجديد وعلى الثنائية المسيحية التي تزعج الكثيرين، وأشار المصدر– حسب تليفزيون"أم تي في" إلى الهوى "الشيعي" السياسي لصحيفة السفير على مرحلة "المسيحيون الأقوياء".

ومنذ مقال السفير والحملة على حزب الله وحركة أمل مستمرة، والإشارة إلى مرحلة جديدة من الانقسام السياسي بدأت تلوح في الإعلام قبل أن تلوح سياسيًا، حتى أن صحيفة النهار اللبنانية أشارت إلى أن حزب الله يتصرف وكأنه المرجعية السياسية التي يجب أن يعود الرئيس إليها.

لم يركز الإعلام اللبناني على أسباب أخرى في تأخير تشكيل الحكومة اللبنانية، منها رغبة القوات اللبنانية في حصة وزارية أكبر، بعد التفاهمات التي عقدتها ومطالبتها بوزارة الخارجية، واعتراض حزب الله على ذلك، وعلى إحساس تيار المردة وحزب الكتائب بالتهميش، وإعلان رئيس حزب الكتائب سامي الجميل، محاولة القوات اللبنانية "عزل حزبه"، ومطالبة القوات اللبنانية بوزارة المال أيضا التي يرفض نبيه بري التنازل عنها.

وذهب الإعلام إلى أبعد من ذلك حتى قال البعض إن "سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية، والحليف الجديد لعون، يستخدم العهد الجديد، والمقصود هنا ميشال عون، للنيل من الآخرين". وبجانب مشكلة الحقائب الوزارية يرفض البعض أن يتم تشكيل الحكومة بمعزل عن الاتفاق علي قانون انتخابي جديد مغاير للقانون الحالي، والمعروف باسم قانون "الستين" والذي يتجاهل نسب التوزيع الجغرافي، ويعطي حصصا ثابتة للكتل السياسية.

الإعلام اللبناني يبدو هادئا أحيانا في أوقات يكون المطلوب فيها السعي لتحريك المياه الراكدة، ويصب البنزين على النار عندما يكون المطلوب هو التريث وعدم استباق الأحداث. البعض يقول"ما من رماد من غير نار" حسب التعبير اللبناني، وأن الإعلام يعكس ما يحدث في الأروقة السياسية، وأن عهد رئيس الجمهورية الجديد بدأ بالتأكيد على الأطماع السياسية، والتأكيد على الطائفية، بدلا من تشكيل حكومة تعكس توافق سياسي تبتعد عنه ألوان الطائفية.

رئيس الجمهورية ميشال عون عاد ليطمئن اللبنانيين ويقول إن الحكومة قريبة، ورئيس تيار التغيير جبران باسيل ظهر أمس في الاحتفال بإضاءة شجرة عيد الميلاد في قصر الرئاسة؛ ليقول أنه "لم يغير ولم يبدل" وأن ثوابت التيار الوطني ثابتة، وأن الحكومة سترضي الجميع، وأنه سيكون هناك قانون جديد للانتخابات النيابية، فهل تثبت الأيام القادمة فرضية أن الإعلام يصنع واقعًا غير موجود وتظهر حكومة لبنانية ترضي جميع اللبنانيين؟ أم يثبت الإعلام أن تصريحات باسيل والرئيس ميشال عون مسكنات على مرض عضال، وأن تشكيل الحكومة سيأخد وقتًا طويلا؟ 
أيا كانت الإجابة التي ستكشف عنها الأيام القادمة، فإن المؤكد في كل ما يحدث، أن أحد الثوابت التي أكدها الإعلام ومن ورائه تأخر تشكيل الحكومة والصراعات على الحقائب، هو عمق الطائفية السياسية في لبنان.
الجريدة الرسمية