رئيس التحرير
عصام كامل

حكومة حلاوة المولد


التفاهة أصبحت لدينا أسلوب حياة و"الاستنطاع" أصبح عادة و"التناحة" أصبحت هي المتحكمة في الجينات المصرية و"الاستهبال" أصبح عنوانًا لكل شيء، وهذه المواصفات الفريدة لا تنطبق على المواطن المصرى والمغلوب على أمره في كل شيء بل تنافسه فيها الحكومة بجدارة. 

فقد انشغل المواطن "البسيط المطحون" خلال الأيام الماضية بارتفاع أسعار حلوى المولد وانتشرت على وسائل التواصل الاجتماعى صور لعلب حلوى تتجاوز قيمتها ألف جنيه وانتشرت دعوات المقاطعة لهذه المنتجات التي لم تعد في قدرة المواطن البسيط، وأصبحت حلوى المولد نموذج يضرب في كل مكان على ارتفاع الأسعار..

وكأن السلع والمنتجات الغذائية تستعطف المواطنين لشرائها لرخص ثمنها وأن أسعار أدوية القلب والسكري والضغط أصبحت تباع في السوبر ماركت من كثرتها وأن إصلاح الاقتصاد سيكتمل بتراجع أسعار حلوى المولد وأن المقاطعة ستعيد لمصانع الحلوى رشدها في الرفق بالمواطن البسيط أيضًا..

مثال آخر للتفاهة حيث استحوذت ملابس سما المصرى على نصيب كبير من انشغالنا خلال حضورها افتتاح مهرجان القاهرة السينمائى الدولى وتصريح رئيسة المهرجان أنها حضرت دون توجيه دعوى إليها وكأن المشكلة في حملها الدعوى من عدمه.

المثال الثالث على انشغالنا بالتفاهة كان انتظار المهدى المنتظر الشيخ "ميزو" الذي شغل الجميع خلال الأيام الماضية بتصريحه أنه المهدى المنتظر.. ولكن لم يكن أحد في انتظاره.

هذه عينة من القضايا التي تشغلنا نترك كل ما هو مهم وضرورى ونمسك بكل قوة وعزم في كل ما ليس له قيمة فلم نشغل أنفسنا بمواجهة الأزمات التي تواجهنا، ولم يتحدث أحد عن وصول تعداد مصر إلى 100 مليون مواطن يوم الأربعاء الماضى، وأننا نزيد بمعدل 2 مليون و200 ألف مواطن سنويًا كأننا "أرانب" مهمتنا الإنجاب فقط وليس العمل.. لم يتحدث أحد عن ضرورة الترشيد في كل شيء في المأكل والملبس لمواجهة الأزمة التي نواجهها كما كانت تفعل أجيال سابقة.

تتحدث الحكومة كثيرًا عن توفير الطاقة وركوب المترو واستقلال السيارات الجماعية توفيرا للبنزين ولم نسمع أو نرى أن وزيرًا من وزراء الحكومة قرر أن ينتقل من محافظة إلى أخرى في القطار ويوفر وقود أسطول السيارات التي ترافقه..

لم يعقد أحد مقارنة بين مصر وتركيا في التصدير، حيث يصدرون ما يتجاوز الـــ150 مليار دولار، أما نحن فحجم صادراتنا لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة فهم يؤمنون أن الكلام الفارغ لا يبنى أوطانًا، أما نحن فلدينا قناعة أن الكلام الفارغ يبنى ويبنى ويبنى حتى قارات كاملة.

في المقابل الحكومة لم تكن أكثر نضجًا من المواطن لتشاركه "البلاهة" و"التناحة" و"الاستعباط"، حيث تركت مشكلة رفض أبناء النوبة عرض أراضٍ في مناطق النوبة ضمن مشروع المليون ونصف المليون فدان الذي طرحه الرئيس عبد الفتاح السيسي لبيعها بالمزاد العلني إلى جانب الأراضي الأخرى، وتم قطع طريق أسوان أبو سمبل؛ احتجاجًا على اعتراض قوات الأمن قافلتهم التي نظموها للمرة الثانية متوجهين إلى منطقتي توشكي ومؤكدين مجددًا أحقيتهم بتلك الأراضي "المميزة" التي تقع على بحيرة ناصر.

وتجاهلت الحكومة الاعتراض على طرح الأرض في مزاد علنى واستمر تجاهلها حتى أصبحت أزمة نالت من استقرار الوضع الداخلى وأعطت فرصة للمتربصين لترويج أكاذيب الانفصال كل هذا أن الحكومة لم تكن حاضرة في الأزمة منذ البداية ولا حتى النهاية ومازالت المشكلة قائمة، وكأن الأزمة في إثيوبيا وليس في مصر..

أزمة أخرى تؤكد أن الحكومة في مصر "بلح" وهى أزمة اختفاء السكري، حيث استوردت أكثر من مرة من الخارج لسد العجز ومازالت الأزمة قائمة ولا يوجد كيلو سكر واحد لدى البقالين في الريف وكثير من مناطق القاهرة، هل يعقل أن جميع السلع الاستراتيجية التي يحتاجها المواطن يواجه فيها أزمات؟ فأين دور الدولة.. هذه الحكومة للأسف مثل حلاوة المولد لا يشعر بها أحد سوى أيام قليلة في العام.
الجريدة الرسمية