رئيس التحرير
عصام كامل

أحمد الطيب.. خط أحمر


تابع العالم أخبار ملاحقة القضاء المصرى للإعلامى والطبيب المصرى باسم يوسف والتحقيق معه وإطلاق سراحه بكفالة مالية بعد أن تم توجيه تهمتى إهانة الرئيس وازدراء الدين إليه.


والشىء «الغريب»: كيف لنظام يحكمه رئيس آت من جماعة تدعى أنها تتحدث باسم الإسلام وتدافع عنه وعن رموزه، كيف له أن يقبل بالإهانة المستمرة لأحد أهم العلماء فى العالم الإسلامى اليوم، والمقصود تحديدا شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب؟ يبدو أن الرئيس المصرى وحكومته لا يمانعان التشكيك فى جدارة الشيخ أحمد الطيب و«السماح» للحملة تلو الأخرى بالتعرض إليه وعدم توقيف شخصيات محسوبة على الحزب الحاكم أو جماعات متآلفة معه، من الإدلاء بتصريحات مهينة وجارحة بحق الشيخ أحمد الطيب.

الشيخ أحمد الطيب عالم كبير وجليل وصوت وسطى وعاقل وقلب متسامح ومتصالح مع نفسه، وهى صفات تكاد تكون قد قاربت على الانقراض، والمجتمع الإسلامى فى أمس الحاجة بل فى غاية الحاجة لقامات مثل الشيخ أحمد الطيب، بعد أن انتشرت واستشرت لغة العنف والتشدد والتنطع والتطرف.

الإقصاء بات يشكل خطرا واضحا على سوية العيش السلمى والمتسامح داخل المجتمعات الواحدة، حتى بات الخطر الأشد أهمية ويفوق مخاطر التهديدات الخارجية والأوبئة الصحية بشتى أنواعها.

ومشيخة الأزهر نفسها ليست مجرد رمز مصرى ولكنها منارة إسلامية عريقة عمرها يتخطى الألف عام، والمشيخة ذات عمق وجذور هائلة لا مثيل لها فى العالم الإسلامى، وحماية المشيخة وشيخها لابد أن تكون شأنا عاما حيويا مثلها مثل حماية أمن البلاد، ولأن هذه المكانة متى ما تعرضت للتطاول اهتزت قيم ومعان فى غاية الخطورة والأهمية، والضرر من ذلك الأمر أشبه بزلزال مهول أضراره وتبعاته لا يمكن تقديرها أبدا.

الشيخ أحمد الطيب اُستهدف «سياسيا» بشكل ممنهج كما هو واضح، والغاية «حرق» سمعة الرجل واغتياله معنويا حتى يتم «تطفيش» الرجل بشكل قوى والإتيان برجل آخر من رجال النظام من أهل الثقة والولاء التابعين لجماعة الإخوان المسلمين فكرا وعقيدة وسياسة وتنظيما، فالأزهر هو «الجائزة الكبرى».. هو المنصب الأكثر أهمية والأكثر ثقلا والأغزر تأثيرا، ولكن «احترام» الشخصيات وإعطاءها الهيبة والوقار والأهمية والثقل والاحترام الجديرة به مسألة لا مجال للتقليل منها ولا التشكيك فيها أبدا؛ لأن الإقلال منها سيؤدى إلى التأثير سلبا فى كل الشخصيات بلا جدال ولا تفكير، بما فيها المناصب السياسية الكبرى بكل أسمائها.

أحمد الطيب الرجل البسيط المتواضع الزاهد الملىء بالعلم والأدب والتربية والمطلع على ثقافات الأمم والأديان المتحدث بطلاقة بلغات ثلاث والمطلع على علوم الشريعة، خريج السوربون، المحاور المتمكن مع أهل الملل والنحل والمذاهب والطوائف والأديان، الواثق والمتمكن وغير الاعتذارى عن دينه الوسطى، المحنك، المطبق الحقيقى لشرع الله والممارس لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، واسع الصدر والحليم والكاظم للغيظ المترفع الراقى عما يحدث من تطاول وإساءة حوله، لا يسمح بأن تكون الممارسات الصبيانية بحقه هكذا ويجب ألا يكون «رقما» فى معادلة من هذا النوع، فهو أرفع وأهم وأرقى من اللعبات والمؤامرات والمكائد والمهازل التى تعقد وتحاك باسم الدين والوطن والحزب والجماعة بحسب الظروف وبحسب الأزمان وبحسب الشخصيات.

التطاول المسىء بحق أحمد الطيب لعبة رخيصة ومكشوفة، الغرض منها تجهيز «المنصب» لشخصية جاءت بشرعيتها عبر برنامج تليفزيونى جماهيرى فى محطة إخبارية مليئة بالضجيج، لكن ما هكذا تؤتى المناصب وما هكذا يستحق الرجال وما هكذا تورد الإبل، هى فاصل جديد من أخطاء متواصلة معيبة ومستمرة لكن أخشى هذه المرة أن هناك تجاوزا كبيرا قد حصل فى حق قامة استثنائية ومهمة جعلت التعاطف الكبير معها خطا أحمر يجب أن يؤخذ فى عين الاعتبار.

نقلا عن جريدة الشرق الأوسط.

الجريدة الرسمية