رئيس التحرير
عصام كامل

هل غرقى مركب رشيد طماعون؟!


تألمت كثيرا كإنسان لضحايا الهجرة غير الشرعية الذين فقدوا أرواحهم جراء غرق المركب التي كانت تقلهم إلى شواطئ إحدي الدول الأوروبية، وتألمت أكثر حين قرأت قصص وحكايات هؤلاء الذين راحوا يبحثون عن الأمل في حضن الموت، فما أصعب الغربة وأقساها على هؤلاء الذين لا يملكون من الحياة إلا بعض أنفاس تغدو وتجيء، بينما تركوا السند والعون من أهل وأصحاب، بحثا عن حياة أفضل لهم ولذويهم، فمن منا لا يطمح في حياة أفضل له ولذويه، ومن منا لا تداعبه أحلام السفر إلى الخارج وتحويل العملات الصعبة، وامتلاك اليورو والدولارات، وارتداء أفخر الثياب وركوب أغلي السيارات، من منا لا يحلم بكل هذا؟!


إن ما نراه ونسمعه يوميا عن مصريين تألقوا بالخارج واستطاعوا تحقيق بعض أحلامهم بينما تصورهم الميديا ووسائل الإعلام كأنهم ملوك هذا الزمن الذين استطاعوا تحقيق كل أحلامهم بمجرد الوصول إلى العالم الغربي أو "العالم التاني"كما يحلو لبعض المصريين أن يسميه؛ لهو أعظم صورة إغراء لهذا الشباب الحالم الذي لم يجد في بلده إلا الجحود والنكران، حسبما يري ويسمع في الميديا ووسائل الإعلام التي كثيرا ما تنقل الصور والرسائل التي تحض على الكفر بالوطن وبناسه، خاصة عندما تتحدث عن بيروقراطية رجالات الحكومة، ووقوفهم ضد كل ناجح، وكأننا البلد الوحيد في العالم الذي يقتل شبابه ومواهبه، مع أن ذلك يحدث في كل دول العالم حيث "لا كرامة لنبي في وطنه" إلا أننا صدرنا للشباب الصور الوردية للإنسان المصري في الخارج، وألهبنا ظهورهم بسياط النقد والتجريح في الداخل باتهامهم بالتواكل والعجز، وقلة الحيلة، وضعف الإرادة، وندرة فرص العمل، وطالبناهم بالتفكير خارج الصندوق وبعيدا عن العمل الحكومي الذي صار عبئا على الدولة بعد أن تخطى عدد العاملين بالدولة حاجز الـ6 ملايين موظف بينما العمل لا يحتاج سوي مليون ونصف المليون على أقصى تقدير..

ووقفنا نعدد لهم مساوئ القطاع الخاص وعدم احترامه لتعاقداته مع العمال وسيطرته واستغلاله لهم ففر هذا الشباب الحالم، وحاول التخلص من كل هذا، وفكروا في الخروج من هذا المستنقع بالهروب خارج هذا الوطن الذي لم يسع يوما لاحتوائهم، ومناقشة مشكلاتهم حسبما يتصورون، لكن كان  القدر لهم بالمرصاد، وراحوا غرقي في قاع البحر، فاستكثر البعض عليهم هذا التفكير واتهمومهم بالـطموح الزائد واللامبالاة والهروب من الواقع، وأخشي أن تخرج إحدي الفتاوي من هنا أو هناك بـ"كفر" هؤلاء الشباب وأخيرا أقول: اللهم اغفر لهؤلاء وارحمهم وتجاوز عن سيئاتهم.
الجريدة الرسمية