رئيس التحرير
عصام كامل

كل شىء شامل


أهم الإسهامات الجوهرية التى ساهمت بها تركيا فى الثقافة الإسرائيلية هى مصطلح "كل شىء شامل"، وإذا تجاوزنا استعمال هذا المصطلح فى قسم السياحة ومعجم التشبيهات العبرية فى الاقتصاد والسياسة والجيش، فسنجد هذا المصطلح أصبح يمثل التصور العام الإسرائيلى.


فمثلما يحصل السائح الإسرائيلى فى تركيا على" كل شىء بشكل شامل"، رأت كذلك تركيا علاقتها بإسرائيل قبل الأزمة.. فمنذ اللحظة التى اختارت فيها أن تنشئ علاقات بالدولة اليهودية، أصبح كل شىء شاملا، فأصبحت توجد علاقات تجارية متطورة ومبيعات عسكرية ضخمة وتعاون استخباراتى وعسكرى وتحالف سياسى، وكان كل ذلك العرض الظاهرى للعلاقة العميقة التى كان يوجد تحتها شعور عميق لا يبدو عليه التقدير.

إن الشعور فى علاقات" كل شىء شامل" يأخذ مكانا أكبر من حجمه، وإذا كان رجب طيب أردوغان يزعم أنه يقترب من اليهودية واليهود، فعليه أن يقترب من الصهيونية أيضا، وأن يؤيد دائما سياسة إسرائيل، وإذا كانت إسرائيل ترى تركيا دولة شقيقة فلا يجوز لها أن تشك فى طبيعتها المسلمة أو أن تعوق مطامعها فى الشرق الأوسط.

وبدأت هذه المعادلة تتصدع فى ظاهر الأمر، مع تولى حزب العدالة والتنمية الحكم فى 2002 ، وتعيين أردوغان رئيسا للوزراء فى 2003، ونسى دفعة واحدة النقد اللاذع الذى وجهه إلى إسرائيل بسبب سياستها فى المناطق المحتلة، كما أن رئيس وزراء تركيا السابق بولاند أجاويد الذى لقب أريئيل شارون بالإرهابى، واتهم رئيس تركيا السابق سليمان ديمريل الذى كان يعتبر صديقا مقربا، ووقع على اتفاق التعاون العسكرى فى 1996، اتهم إسرائيل بأنها هى التى تدمر مسيرة السلام، ولم يظهر علينا أحد آنذاك يقول لنا إن تركيا معادية للسامية أو لإسرائيل وأنها تتحرك بأيديولوجية إسلامية.

واصلت إسرائيل قياس حرارة جسد علاقاتها بجارتها تركيا، بحسب مقدار المشتريات العسكرية والعلاقات التجارية فقط، إلا أن إسرائيل كانت على يقين من أن سياستها فى المناطق منيعة من النقد، وأنه إذا كان يوجد نقد تركى فإنه يأتى فقط من مشاعر إسلامية مؤيدة للفلسطينيين أو مؤيدة لإيران، وأيضاً من منطلق أنه يصعب على تركيا أن تتطور صداقتها مع دولة محتلة لتثبت مكانتها فى الشرق الأوسط.

وقد حكمت إسرائيل بأن سياسة تركيا يجب أن تخضع لنزوات إسرائيل أو أن تتفق معها على الأقل، وإلا اعتبر ذلك إخلالا سافرا بمبدأ "كل شىء شامل"، الذى نظرت إليه إسرائيل باستخفاف شديد فى الأساس، لدرجة أنه حينما اقترح أردوغان على رئيس الوزراء إيهود أولمرت أن يقوم بدور الوساطة بين إسرائيل وحماس لمحاولة منع عملية الرصاص المصبوب لم يكلف أولمرت نفسه عناءً للرد عليه هاتفيا.

إن الفرق فى التوقعات بين تركيا وإسرائيل هو الذى جعل أزمة السفينة مرمرة زلزالا، ولولا ذلك ما استطعنا أن نفهم الفرق بين اعتذار إسرائيل لمصر عن مقتل جنود مصريين نتيجة للحادث الإرهابى على الحدود عام 2011 وبين إصرارها على عدم الاعتذار لتركيا.

وقد استخدم فى الحالتين العدل، ولكن الفرق هو أنه لا تسود العلاقة بين إسرائيل ومصر التى قامت بدور الوسيط فى إنهاء الاتفاق على الإفراج  عن أسرى حماس مقابل جلعاد شليط، فلا يسودها مصطلح "كل شىء شامل"، فمصر ليست مفهومة، فأى مساس لكرامتها أو لمواطنيها يلزمون إسرائيل بالإصلاح فورا.

وتعتبر تركيا فى مقابل ذلك تابعة رفعت رأسها فجأة، واعتذار بنيامين نتانياهو يشير لفهم جديد مضمونه أن من يطلب علاقات "كل شىء شامل" يحتاج إلى أن يدفع بالعملة نفسها.

نقلاً عن هاآرتس...
الجريدة الرسمية