رئيس التحرير
عصام كامل

أحمد الغرباوي يكتب: سرادق بحر وعزا حب

احمد الغرباوى
احمد الغرباوى

يتسلل الشروق.. يتسحّب من نافذة بجوار.. كل يوم جمعة.. يغرد عليها عصفور عاشق.. لايخلف موعده أبدا صباح كل جمعة..
ويعلن عن يوم.. يستعر من سَحر هالك الظُلمة.. ولا أستطيع..!


أعجز عن حمل جسدى السمين فوق قدمى.. فروحى لم تعد بعد.. وما زلت أعش.. بل أحيا أمس..!

وصوت قاسى.. نبرة نشاز عفنة الرائحة.. حشرجة بين سنون سامة.. شيطان أرض يبلغنى..
ابنى على الأرض..!
مرمى يتألم.. ينزف.. !
بعدها بثوانى.. نفس التليفون اللعين يحمل صوت زوجى.. فيوض صراخ.. نهج عاصف.. تشنجات ألم.. التماس رحمة ربّ من نقص عبد..!
وسيارة إسعاف.. تحملنى وولدى.. وسيارة أخرى تحمل زوجى.. ونسيان وجودها في لهفة على ولدها.. وصورى سيارة جديدة.. نعش حديد.. فضى اللون.. معلقة على صخرة موت..!
ألم يفترش الرؤى.. ويغتال الواقع.. وينفث شؤمه في كل من حوله..!
كيف طارت.. كيف استقرت.. كيف خرجوا منها..!
لا شيء يعنى.. ولا جدوى من منطق.. ولا ردود عقل..؟
لم يكن موعدنا مع موت..؟
موعدهما زوجى وابنى وألم..؟
ألم وعجز.. ابتلاء قلب.. وجرح حب.. ونزف إحساس.. ودنو خروج من حاضر.. قرار آلهى بالعيش خارج الزمن.. واقتراب رحيل..؟
يدفعنا القدر عنوة.. لماذا ألم..؟
عجز وألم..!
غيب وعجز وألم..!
غيب لا يأمن جوعه.. ولا يسلم من طلق ولادته.. رغم عدم رغبتنا في مِنّة.. لو خُيّرنا بين حلوه وشره..!
وعجز عن اجهاض فيضه..أو معرفة نوع ولده..!
وألم لاندرى مدى سيْره وسيْله.. أو مُنتهى تَحمّل وَجعه..!
لم تعُد النوارس بيضاء..!
دون إرادتها بهت عليها الغيم.. ليرمّد سفح اليمّ بساط رمادي اللون..!
وتهجر نتف القطن ناصعة البياض زبد البحر..!
وترتمى جثّة أجنّة.. بّعثرة جلد قناديل بحر.. تحرق براء ذرات رمل..!
بين الصخور طحالب.. تفقد خُضرة عذريتها.. دمّ بنّى.. يغتصبها كفن قلوب.. كانت يومًا تعشق الشط في الله حبًا.. وانثيال حضنها فجرًا.. حتى يتهادى اليوم دوام أمل في شروق أبدًا.. أبد..!
وعلى سور الكورنيش مارة يقرأون الفاتحة.. وصياد منذ ألف ألف عام.. لا يعرف غير ستر الشباك.. وعطر زفارة سمّاك..!
يتمتم:
لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله..!
فقد غدا..
غدا الشط والموج والبحر والزبد سرادق عزاء..!
يموت البحر ألمًا..!
يتجمّد المرار ملحًا..!
وقدر يجرّ المىّ.. يسحب الحياة..ويبقى..
يبقى اليمّ مُرّا.. مًرّا..!
،،،،،
حبيبى..
كم تشتاق رأسى إليك..
تبحث عن حِجرك..؟
وأمسح دمع وجعى في جيب جينزك.. الذي تمرّغ كثيرا في براء رمل بحرى..؟
وتعود لى الحياة..!
أو أتحمّل ألمها في ريح عَرقك.. الذي اغتسل كثيرا برذاذ موجى..؟
حبيبتى..؟
ليه (عايزة تاخدى) البحر في ألمى..؟
أرجوك حبيبى:
ـ اتركى لى زخّات نَدى على ندبات روحى..؟
فلم يعد لى من الألم..
لم يعد لى غير سُرادق بَحر وعَزا حُبٍّ..
عزا حُبّ..!
الجريدة الرسمية