رئيس التحرير
عصام كامل

«قصة الخلق ».. «الانفجار العظيم» نظرية علمية يزعم صاحبها أن العالم نتج عن انفجار قبل ١٥ بليون سنة.. كثير مما رواه القرآن الكريم عن نشأة الكون مع نتائج العلوم الحديثة

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

روايات كثيرة تكتنف قصة الخلق، وبينما يطرح القرآن الكريم رواية، فإن هناك رؤى أخرى تتقاطع وتتصادم معها، فماذا قال القرآن الكريم أولا عن قصة الخلق؟ يقول القرآن عن الله في البدء الأول: "ثم استوى إلى السماء وهى دخان"، ففى البدء كان شيئا كالدخان جاء منه الكون بنجومه وشموسه "يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل"، وهى آية لا يمكن تفسيرها، بحسب الدكتور مصطفى محمود، إلا أن نتصور أن الأرض كروية والليل والنهار كنصفى الكرة ينزلق الواحد منهما على الآخر بفعل الدوران المستمر لهذه الكرة، ثم يقول في موضع ثان: "و القمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم"، و"العرجون" هو فرع النخل القديم اليابس لا خضرة فيه ولا ماء ولا حياة، ثم يقول:" لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون"، ثم يقول:"و السماء ذات الحبك"، والحبك هي المسارات، ويصف الأرض بأنها كالبيضة "و الأرض بعد ذلك دحاها"، ودحاها أي جعلها كـ"الدحية"، أي: البيضة، وهو ما يوافق الآراء الفلكية عن شكل الأرض، ويقدم فكرة الحركة الخفية من وراء السكون الظاهر:


"و ترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب"، وتشبيه الجبل بسحابة هو تشبيه يقترح على الذهن تكوينا ذريا فضفاضا مخلخلا، وهو ما عليه الجبل بالفعل، فما الأشكال الجامدة إلا وهم، وكل شيء يتألف من ذرات في حالة حركة.. والأرض كلها بجبالها في حالة حركة، والقرآن يذكر تارة أن الحياة خلقت من الماء، وتارة أخرى يذكر أنها خلقت من تراب، ثم يعود فيخصص، ويقول من الطين أو على وجه الدقة الماء المنتن المختمر المختلط بالتراب، وهو اتفاق غريب ودقيق مع اكتشافات العلم بعد أكثر من ألف وأربعمائة سنة، وفى سورة الأعراف يروى بتفصيل أكثر: "و لقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين"، وفى هذه الآية يحدد أن خلق الإنسان تم على مراحل زمنية: خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، والزمن بالمعنى الإلهى طويل جدا: " وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون"، وفى موضع ثان: " تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة".

هذه إذن أيام الله، وهى شيء كالآباد والأحقاب بالنسبة لنا، فإذا قال الله خلقناكم ثم صورناكم، ثم اكتملت الصورة بتخليق آدم فقلنا للملائكة اسجدوا لآدم، معنى هذا أن آدم جاء عبر مراحل من التخليق والتصوير والتسوية استغرقت ملايين السنين بزماننا وأياما بزمن الله الأبدي: "و قد خلقكم أطوارا"، ومعناها أنه كانت هناك قبل آدم صور وصنوف من الخلائق جاء هو ذروة لها.
يقول القرآن: "هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا" في إشارة إلى مرحلة بائدة من الدهر لم يكن الإنسان يساوى فيها شيئا يذكر.

و يقول القرآن عن الله إنه هو:" الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى"، أي إنه هدى مسيرة التطور حتى بلغت ذروتها في آدم، وفى موضع ثان: "و ما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم".
إذن: كيف جاء القرآن بهذه الموافقات التي اتفقت مع نتائج العلوم والبحوث والجهود المضنية عبر مئات السنين!.. مصادفة؟ وإذا سلمنا بمصادفة واحدة فكيف نسلم بالباقي؟ وكيف يخطر على ذهن نبى أمى مشكلات وقضايا وحقائق لا يعرفها عصره؟. ولا تظهر إلا بعد موته بأكثر من ألف وثلاثمائة سنة؟

رؤية أخرى
و إذا أخذنا بالتفسير الغربى الملحد الذي يرى في ذلك الكلام الذي يجيء على لسان محمد صورة من نشاط عقل باطن انفتح تماما على الحقيقة المطلقة.. إذا قلنا هذا فقد اعترفنا اعترافا مهذبا جدا وعلميا بالوحي، فما الحق المطلق سوى الله وما الانفتاح على الله والاتصال به إلا الوحى بعينه.

وفى الحديث الصحيح: "إن الله تبارك وتعالى لا تقدر قدرته، ولا يقدر العباد على صفته ولا يبلغون كنه علمه ولا مبلغ عظمته، وليس شىء غيره، هو نور ليس فيه ظلمة وصدق ليس فيه كذب، وعدل ليس فيه جور، وحق ليس فيه باطل، كذلك لم يزل ولا يزال أبد الآبدين، وكذلك كان إذ لم يكن أرض ولا سماء ولا ليل ولا نهار ولا شمس ولا قمر ولا نجوم ولا سحاب ولا مطر ولا رياح، ثم إن الله تبارك وتعالى أحب أن يخلق خلقا يعظمون عظمته ويكبرون كبرياءه ويجلون جلاله. فقال: كونا ظلين، فكانا كما قال الله تبارك وتعالى".

الأيام الستة
يقول الدكتور محمود إسماعيل، أستاذ التاريخ الإسلامى بجامعة عين شمس، إن الله خلق الكون في 6 أيام رغم أنه قادر على خلقها في غمضة عين، ولكن الهدف من ذلك هو رسالة للخلق والإنسان بعدم التعجل، لأنه من الشيطان والتروى في اتخاذ القرارات، مؤكدا بطلان قول اليهود أن الله تعالى تعب لما خلق السموات والأرض في 6 أيام فاستراح يوم السبت مدللا على ذلك بقول الله عز وجل: «ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسّنا من لغوب».

الانفجار العظيم
فيما يقول الدكتور علاء إبراهيم، أستاذ الفيزياء بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إن الانفجار العظيم وصاحب تلك النظرية هو العالم البلجيكى جورج لوميتر، وهى حادث كونى وقع قبل 15 بليون سنة عندما كان الكون كله مضغوطًا في جزيء ذرى واحد بشكل نقطة واحدة أطلق عليها العلماء اسم الذرة البدائية أو الحساء الكوني.

وأوضح أن حجم هذه النقطة كان يساوى الصفر وكتلتها لا نهائية أي أن الكون كان عبارة عن طاقة خالصة، مشيرا إلى أن الصيغة النهائية التي يمكن اختصار النظرية بها هي أنه قبل 15 بليون سنة وقع انفجار هائل في ذرة بدائية كانت تحتوى على مجموع المادة والطاقة، وفى اللحظات الأولى من الانفجار الهائل ارتفعت درجة الحرارة إلى عدة تريليونات، حيث خلقت فيها أجزاء الذرات، ومن هذه الأجزاء خلقت الذرات، وهى ذرات الهيدروجين والهليوم، ومن هذه الذرات تألف الغبار الكونى الذي نشأت منه المجرات فيما بعد، ثم تكونت النجوم والكواكب وما زالت تتكون وفى غضون ذلك كان الكون وما زال في حالة تمدد وتوسع، وبذلك فإن الانفجار العظيم أدى ليس فقط إلى ظهور جزيئات ذرية جديدة بل إلى وجود مفهومى الزمان والمكان اللذين كان يستحيل الحديث عنهما قبل المادة.

وأشار إلى أنه بعد الانفجار العظيم تكونت المجرات، لنأتى للنظرية السديمية وكيفية تكوين المجموعة الشمسية وموقعها في الكون الواسع، موضحا أن مجموعتنا الشمسية تقع في مجرة تدعى درب التبانة، وهى عبارة عن قرص مفلطح من النجوم والغاز والغبار الكونى ولها ذراعان حلزونيان، وللمجرة قطر مستعرض يتراوح طوله بين 100 – 200 ألف سنة ضوئية وقطر قطبى يبلغ طوله نحو 100 ألف سنة ضوئية، وتدور حول محورها مكملة دورة واحدة بفترة تقارب 200 مليون سنة، وتحتوى مجرة درب التبانة على 100000 مليون نجمة مختلفة الحجم والبريق، واحدة من هذه النجوم هي الشمس التي هي عبارة عن نجم متوسط الحجم ومعتدلة البريق، وتقع في حافة مجرة درب اللبانة، والشمس تقع في مركز المجموعة الشمسية التي تتكون من الشمس و10 كواكب و61 قمر وأكثر من 1500 كويكب وعدد لا يحصى من المذنبات والنيازك.

المجموعة الشمسية
وعن نشوء المجموعة الشمسية قال"إبراهيم" إن الفكرة العامة تتمثل في أن النظام الشمسى كان يتكون من غيمة من الغاز والغبار يطلق عليها اسم السديم، تقع في أعماق الذراع الحلزونى لمجرة درب التبانة وهى واحدة من المجرات العديدة التي تكونت بسبب الانفجار العظيم، مشيرا إلى أن الغيمة الضخمة كانت تتكون من عنصرين خفيفين هما الهيدروجين والهليوم مع قليل من الأكسجين وحتى كميات صغيرة من العناصر النادرة مثل السليكون والحديد، مؤكدا أن السديم يدور ببطء حول مركزه الذي يتكون من كتلة تحتوى على دوامات معقدة نشأت بسبب ما يعرف بالسقوط أو الانقلاب الجذبي، وتحت تأثير قوة الجاذبية اخذ السديم شكل القرص الدوار مع زيادة في حرارة وكثافة الكتلة عند المركز والتي أدت بالنهاية إلى تكون الشمس.

وتابع أستاذ الفيزياء بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أنه بعد أن تكونت الأرض من السديم الغازي، شهدت العديد من التغيرات التي مهدت لوصولها إلى ما هي عليه الآن وأبرز هذه التغيرات تتمثل بتكون الأغلفة الداخلية للأرض وهى اللب والجبة والقشرة، والأغلفة الخارجية وهى الغلاف الغازى والغلاف المائى والغلاف الحياتي، شارحا أن تكون الأغلفة الداخلية حدث عندما بدأت الأرض بالتكون نتيجة لتجمع المواد الصلبة الصخرية المختلفة الأحجام والكثافات وحدث ما يعرف بالتفاضل أو التباين بين هذه المواد التي كانت مواد سائلة أو مائعة في بدايتها، وبعدها نزلت المواد الثقيلة إلى مركز الأرض مشكلة اللب، بينما المواد الأخف ارتفعت إلى الأعلى مكونة القشرة، بينما المواد ذات الكثافة المتوسطة احتلت الجزء الوسطى من الأرض بين القشرة واللب لتكون ما يدعى بالجبة أو العباءة.

أما الأغلفة الخارجية فتكونت بعد أن تصلب الجزء الخارجى للأرض وتكونت القشرة الصلبة حدث نشاط إشعاعى في منطقة الجبة التي لم تتصلب، وكانت نتيجة هذا النشاط الإشعاعى توليد حرارة عالية في منطقة الجبة التي أدت إلى تكوين تيارات حمل حراري، مشيرا إلى أن تيارات الحمل الحرارى عملت على تشقق القشرة الصلبة وخروج الصهير من منطقة الجبة بشكل نشاط بركانى عنيف جدًا، موضحا أن النشاط البركانى أدى بدوره إلى تحرير كميات كبيرة من الغازات المختلفة التي تجمعت حول الأرض وتفاعلت مع بعضها لتكون الغلاف الغازى أو الجوى للأرض، والذي كان يختلف في مكوناته ونسبها بشكل كبير عما هو عليه اليوم، مؤكدا أن الغلاف المائى للأرض تكون نتيجة تجمع بخار الماء في الغلاف الغازى بكميات كبيرة كانت تساقط الأمطار الغزيرة التي تجمعت في المنخفضات الواسعة المنتشرة على سطح الأرض، وبالتالى تكونت المحيطات والبحار والأنهار والمياه الجوفية.

نهاية الكون
الدكتور محمود محمد محمد النحاس، أستاذ العلوم الفيزيائية بجامعة عين شمس، أكد أن معروف للجميع أنه نتيجة نشأة الكون تحدث توسعات فيه بشكل مستمر وذلك منذ بداية الانفجار ما يفتح الباب أمام نهاية الكون، مشيرا إلى أن العلماء طرحوا 3 احتمالات لطبيعة التوسع أولها نموذج الكون المفتوح ويتوقع فيه العلماء أن الكون سوف يستمر في التوسع إلى مالا نهاية، وذلك بافتراض استمرار قوة الدفع إلى الخارج بمعدل أقوى من قوى الجاذبية التي تشد الكون إلى الداخل في اتجاه مركزه.
وأضاف أن النموذج الثانى لنهاية الكون ويسمى بالكون المغلق، ويتوقع فيه العلماء أن الكون ستتباطأ سرعة توسعه مع الزمن لأن الحسابات الرياضية تشير إلى أن معدلات التمدد الكونى عقب عملية الانفجار العظيم مباشرة كانت أعلى بكثير من معدلاتها الحالية، موضحا أنه مع تباطؤ سرعة توسع الكون تتفوق قوى الجاذبية على قوة الدفع نحو الخارج فتأخذ المجرات بالاندفاع نحو مركز الكون بسرعة متزايدة جامعة مختلف صور المادة والطاقة فيبدأ الكون في الانكماش والتكدس على ذاته.

وأشار إلى أن كلا من المكان والزمان يتجمعان معا حتى تتلاشى كل الأبعاد أو تكاد وتتجمع كل صور المادة والطاقة المنتشرة في أرجاء الكون حتى تتكدس في نقطة متناهية في الضآلة تكاد تصل إلى الصفر أو العدم ومتناهية في الكثافة والحرارة إلى الحد الذي تتوقف عنده كل قوانين الفيزياء المعروفة، أي يعود الكون إلى حالته الأولى وتسمى عملية تجمع الكون وعودته إلى وضعه الأصلى بنظرية الانسحاق الكبير، متابعا أن النموذج الثالث والأخير وهو الكون المتذبذب ويتوقع فيه العلماء أن الكون سيبقى متذبذبًا بين الانسحاق والانفجار، أي بين الانكماش والتمدد في دورات متتابعة ولكنها غير متشابهة إلى مالا نهاية تبدأ بمرحلة التكدس على الذات ثم الانفجار والتمدد ثم التكدس مرة أخرى وهكذا.
الجريدة الرسمية