حقيقة أسطورة « الطفل المصري الأذكى عالميا»
من الأكاذيب الشائعة التي تصل إلى حد الخرافة وقد تتجاوزها إلى حد الأسطورة هي أن الطفل المصري هو الأذكى عالميا، رغم أن الواقع التعليمي يدحضها تمامًا ويؤكد أنه طفل عادي جدا بوابة سوداء مصمتة التحم بها سور عال ترتفع فوقه أسلاك شائكة تتخللها مجموعة ملابس ممزقة لضحايا حاولوا المرور من هنا إلا أنهم فشلوا فبقيت آثارهم عبرة لمن يحاول بعدهم.. قد يظن القادم من بعيد أن البناية لمعسكر من معسكرات النازي في الحرب العالمية الثانية أو موقع تدريب مصري للأمن المركزي في حقبة الثمانينات!! لكن الفاجعة حينما تقترب الصورة فهي ليست إلا مدرسة عاشور صلاح الدين في أول مشاهد فيلم الناظر..
وكما تتصارع الحيتان تحت أمواج البحر التي تبدو للرائي هادئة فخلف أسوار هذه المدرسة طلبة مصريون في سن التعليم العام مشاغبون وفاشلون فلا يعرف أحدهم من قام بثورة 19 رغم أن اسمه سعد زغلول والآخر يقول لمدرسة «كله في الكلتش» و«والله يا أستاذ مش أنا اللى قتلت كليبر» في مشاهد متتابعة تدحض وتهدم أسطورة، ظللنا نرددها في وجه العالم بأن الطفل المصري أذكى طفل في العالم.
التسرب من التعليم
من جانبها وزارة التربية والتعليم اعترفت بوجود ظاهرة تسرب الطلاب من التعليم ودعت في أكثر من مناسبة للوقوف في وجهها، حيث تعتبرها أحد الوجوه السافرة للهدر التربوي وبابًا خلفيًا لمشكلة محو الأمية.
وفى تقرير صادر عام 2007 أكد أن نسبة التسرب عند البنين بلغت 2.9% وعند البنات 6.5% وذلك في المرحلة الابتدائية سنتي 1991 و1992، كما أوضح أيضًا أن أسباب هذه الظاهرة في مصر ترجع إلى ضعف التحصيل الدراسي الذي يؤدي إلى الفشل وعدم رغبة الطالب في دراسة نوعية معينة من العلوم والضغط عليه من قبل والديه لدراستها ووجود عوامل جذب كثيرة خارج المدرسة وفقدان الدافع الشخصي للدراسة وصعوبة المواد الدراسية وطريقة التعامل الخاطئة من قبل أولياء الأمور والمدرسين.
تجدر الإشارة هنا إلى أن نسبة التسرب بين البنين والبنات انخفضت عام 2004 و2005، حيث وصلت إلى 0.41% في مدارس البنات و0.56 في مدارس البنين، أما في التعليم الإعدادى فقد انخفضت من 9.91% ولدى البنات عامى 1991 و1992 إلى 2.79% عام 2005 ومن 11.45% إلى 3.04% لدى البنين في الأعوام نفسها، فالقدرة على التحصيل كانت من الأسباب المباشرة لظاهرة التسرب، وهو ما يتنافى مع أسطورة الطفل المصري أذكى أطفال العالم.
مخترعون صغار
هناك عدة اختراعات أبهرت العالم قام بها أطفال ومراهقون ولم تسجل من بينهم حالة لطفل مصري واحد ومن هذه الاختراعات تمكن مراهق يدعى نيكولاس فورناريو من اختراع لعبة «أكس- أو» وهو في سن الـ18، تلك اللعبة التي انتشرت في العالم كله.
اخترعت المصاصة عن طريق الصدفة في عام 1905 من قبل الطفل فرانك إيبيرسون الذي كان يبلغ من العمر حينها 11 عامًا، ففى إحدى الليالى شديدة البرودة، ترك فرانك كوبا من الصودا المجففة، بالإضافة إلى عصا صغيرة وبعض الماء، وعندما عاد في الصباح وجد ذلك الاختراع اللذيذ للغاية الذي يعشقه جميع الأطفال.
وكذلك توصل طفل صغير يبلغ من العمر 15 عامًا يدعى تشيستر جرين وود إلى اختراع غطاء الأذنين، حيث توصل إلى ذلك الأمر بسبب شعوره ببرد شديد في أذنيه أثناء تزلجه على الجليد ذات مرة، حينها عاد إلى منزله وشكل إطارًا مقوسًا من الأسلاك وطلب من جدته أن تحيك له قطعة من الجلد لتلك الأسلاك، وكان ذلك هو أول غطاء للأذن يشهده العالم.
وعند بلوغه سن الـ19، أجاد تشيستر صناعة أغطية الأذنين، وباعها للجنود في الحرب العالمية الأولى، وبحلول عام 1937، كان تشيتسر قادرًا على بيع أربعين ألفًا من أغطية الأذن بشكل سنوي، تعرض الطفل لويس برايل إلى حادثة أفقدته حاسة البصر وهو في الثالثة من عمره، لكنه لم يستسلم إلى ذلك الأمر، فأثناء دراسته في المعهد الوطنى للمكفوفين الشباب في باريس، اخترع نظامًا يعتمد على النقاط البارزة لمساعدة المكفوفين على القراءة وصدر أول كتاب بطريقة برايل عام 1829، وفى عام 1837 أضاف برايل رموز الموسيقى والحساب إلى نظام القراءة الشهير.
في عام 1996، توجه الطفل ريتشى ستاشوفسكى البالغ من العمر 11 عامًا حينها في رحله إلى هاواي بصحبة عائلته، وأثناء غوصه في حمام السباحة توصل إلى فكرة تمكن الأشخاص من التحدث إلى بعضهم البعض أثناء وجودهم أسفل الماء، واخترع الطفل الصغير جهازا مخروطى الشكل مزود بصمام للنفخ، بالإضافة إلى بعض الأغشية البلاستيكية، يمكن السباحين من التحدث إلى بعضهم البعض تحت الماء بمسافة فاصلة بينهم تصل إلى 15 قدمًا، ويعد اختفاء تسجيل طفل مصرى لاختراع من تلك الاختراعات التي غيرت البشرية مغايرًا لأسطورة الطفل المصرى من أذكى أقرانه في العالم.
اختبار ستانفورد بينيه
ألفريد بينيه عالم نفس فرنسي، مولود عام 1857، يعد مخترع أول اختبار ذكاء وكان هدفه الرئيسي تحديد الطلاب الذين يحتاجون إلى مساعدة خاصة في مناهجهم الدراسية، وقد قام بجمع عدد ضخم من القياسات للوظائف الحسية- الحركية كسرعة رد الفعل والتمييز الحسي والقوة العضلية والتآزر الحسي - الحركي، وقد بلغت 17 مقياسًا لدى عدد كبير من الناس، وقد تخلى «بينيه» عن دراسة الجوانب الفسيولوجية، والحسية - الحركية للذكاء، وذلك بعد أن أمضى وقتًا كبيرًا في دراسة العلاقة بين حجم الدماغ ووزن المخ من ناحية، والذكاء من ناحية أخرى، ولم تفض دراسته في هذا الأمر عن شيء، حيث لم يجد فروقًا ذات دلالة بين الأذكياء والمتخلفين أو بين أينشتين وخادمه وقرر بناء مجموعة من المهام التي تقيس الجوانب العقلية العليا، كمهارات الفهم والاستدلال وحل المشكلات، وهو ما لم ينجح كثير من أطفال مصر في الوصول إلى درجات تجعلهم فوق مستوى الذكاء الطبيعي دون بقية الأمم.
محمود وائل
وحتى لا تصبح الصورة قاتمة فهناك دائمًا شمعة مضيئة في نهاية النفق المظلم، متمثلة في طفل مصري ولد في 1 يناير 1999 اسمه محمود وائل وصل معدل ذكائه في سن 11 عامًا إلى 155 درجة، وهذا ما جعل د. أحمد زويل يصر على مقابلته وإهدائه أحدث كتبه.
محمود يعتبر أصغر طفل في العالم ينال شهادات سيسكو في تصميم شبكات الحاسوب، وسيصبح أصغر مدرس في التاريخ عندما يبدأ تدريس الحاسوب في الجامعة الأمريكية بالقاهرة لطلاب كليات الهندسة وتكنولوجيا المعلومات، لكن وصول محمود إلى هذا الأمر وصل بعد اكتشاف والديه لذكائه ومتابعتهما له فقد اصطحبه أبوه إلى كلية التربية وأُجرى له اختبار ستانفورد بينيه، وصل معدل ذكائه إلى 151.. وبعدها أخضعه رئيس أحد أقسام الوراثة لاختبار ثانٍ فوصل مستوى الذكاء إلى 155 «وهى درجة لا يحصل عليها إلا قلة من البالغين»، وكان عمره آنذاك خمس سنوات وستة أشهر، ولم تُجر له أسرته اختبار ذكاء آخر منعًا للحسد!!
لكن يظل محمود وائل رقم «واحد» في مساحة مليون كيلومتر مربع تحوى ما يقترب من تسعين مليون إنسان، وهو ما لا يتفق مع أسطورة «الطفل المصرى أذكى طفل في العالم».
أسئلة ذكية
فكرة أن الطفل المصري أذكى طفل في العالم أثارت مجموعة من الشباب، فقاموا بتصوير فيلم ورفعه على الموقع العالمي «يوتيوب» حمل اسم «بالدليل الطفل المصري من الأذكياء»، وقام شاب وفتاة بسؤال كثير من الطلبة المصريين في المرحلتين الابتدائية والإعدادية مجموعة من الأسئلة الذكية وكانت المفاجأة هي فشل كل الطلاب في حلها وكانت الأسئلة على النحو الآتى إذا كان قطار يعمل بالكهرباء قادما من الإسكندرية باتجاه القاهرة فإن الدخان المنبعث من فوهته إلى أين يكون اتجاهه فكانت الإجابات في منتهى الغباء، حيث إن القطار الكهربائي لا يصدر دخانًا وقد فشل في الوصول إلى هذا الحل جميع الطلبة، والسؤال الآخر كان إذا كنت في سباق وقد تعديت المتسابق الثانى فكم يكون ترتيبك في هذا السباق؟ وهو ما فشل في الوصول إلى حله كل الطلبة، أما السؤال الآخر وهو كم شهرًا في السنة يكون فيه 28 يومًا وهو ما فشل فيه الجميع، وفى النهاية وبعد بحث طويل تم الوصول إلى طالب وحيد أجاب عن تلك الأسئلة وحين سئل عن أمنيته أجاب بأنه يرغب في العيش والدراسة في أمريكا!
