رئيس التحرير
عصام كامل

بحق الأحد عشر كوكبًًا (رسائل اليمام)

فيتو

يا يعقوب:
أتعلم ما حل ً بي
البحر هنا يرشدني للكلمات الأولى
يرشدني لثدي المرأة الأولى
أراك هنا يا يعقوب كما لم تراني
أنا هنا..

ينأى مكاني عن زماني
ينأى زماني عن مكاني
ينأى زماني عن زماني
أنا هنا أبحث لاسمي عن أب لاسمي..فشقتني عصا سحري
فالأنبياء جميعهم أهلي.. الأولياء جميعهم أهلي
نكتب معا رسالات السماء
لأمحو سيرة أب تنحي وسيدة خانت
واكتب لاسمي الأرض..وأحفر له جبلًا
اسمًا تشاركني فيه آلهة مقامي.. لأذهب ولا أرجع لهذا الزمن الهلامي
ليظل غيابي هو السائد والسيد.. فأنا أنا ولو انكسرت
وأنا صاحب الذاتين والاسمين
اسم لي وأخر علي
تغير عنوان بيتي
وموعد أكلي
وهويتي ونسبي
ولون ثيابي ووجهي
ورائحة الأرض.. وطعم الطبيعة
وحتى القمر صار عزيزا عليّ هنا
ومشي الخوف بي ومشيت به حافيًا
وأسأل
أهذا الزمان الأول أم الثاني؟

يا يعقوب:
ستة وعشرون عامًا أسال
ستة وعشرون عامًا أرحل
فأهلي يخونون أهلي
فإنني أعرف أنني
وُلِدتُ مصادفة
ورثت ملامحي مصادفة
وانتميت مصادفة
فلتكن جنازتي وقبري انتمائي بقربك
وقبرًا جوار قبر
لتحفظ القبور فلك الجوار الذي لم تحفظه أنت ولم تحفظه الأرض
فمنك النطفة والعلقة.. وما ملكت يداي

يا يعقوب:
لأضيف لك اعترافًا عن حواري المقدس مع السماء
فأنا أراك وأراني كل منام
منسجمان في الأحلام
منسجمان في النسيان
فمن أين جئت؟
من رسائل رب وحب
ولمَ عدت؟
لتعاتب التاريخ.. وتُحمِل الأحزان صبرنا وأعمارنا..
أم لتحتفل بوجودك وتزوجني زواج الرهبان؟
ولتُرَقِص جسدًا لم أراه؟..
جسدًا تواري في الرثاء..
جسدًا عاش بين سحر الآلهة وأطراف الوحي والهاجس..
جسدًا مرّ على غصن الزيتون وشجر الأرز وسواحل الأنبياء..
أنا هنا يا يعقوب في بلاد يقولون عنها بلاد الأمن والأمان..
أدافع عن حربي الخاصة من أجل الذات والسلام..
أنا هنا حكيم مداوٍ وقارئ وفيلسوف..
في بلاد يتساوي فيها المتسول والفيلسوف...
فكيف لك إنقاذ جسدي وإنقاذ عطبًا أصاب الروح...

أخضر... أصفر...
أتطًهر... أصدأ...
أخِف... أجِف....
أئِن.. أحِن.. أجِن..
أري ولا أري....
وحدي ثم وحدي ثم......

(تركتني يا أبي كما ترك يعقوب من رأي الأحد عشر كوكبًا)...
وتيقنت بسنواتي الرغد معك وبعدك بسنواتي العجااف..
تركتني كما يترك البحر أصدافه على شواطئ العزلة والشتات..
ونسيت أنا من أنا..
ونسيت مقامي في أول الأرض...
وتركت لك تفاصيل نفسي لتأتيني يوما وتقتلني بالحنين..
وحدي ثم وحدي.... ويا إيما وياوحدي....
لأصرخ وأهتف بصوتي..
بكفي.. لم تبق لي بلادًا..
فأنا لا أتذكر أنني مررت يومًا على الأرض..
ولم أكن يومًا عاشقًا لأرى المياه مرايا..
فكيف لي غد وأنا لا أملك الماضي
أبكيك مع موتي لم يموتوا..
موتي تغيرت لغاتهم وأنسابهم وجذورهم..
وصارت لي نسكي وصلاتي ولك أخرى..
وليس لنا من لقاء إلا فراقًا..
ولكن... إن كان بين خيال الإنسان وادراكه. مسافة لا يدركها سوي حنينه..
فأنا حر مطلقا في خيالي..
يكفيني أن أرى فيه أنني رسولاَ ونبياَ وأراك أنت يعقوب...
يعقوب الصابر المنتظِر الغافل التائب المتيقن باللقاء..
وأين الحقيقة والسؤال..

أنا من صارت غربتي دينًا لي..
أنا من صار رحيلي لي كتابين مقدسين.. واحد من حجر وآخر من شجر..
أنا صاحب ساعدًا يشتد فقط في الزهد والنسيان..
أنا ذاكرة بلا تاريخ أو ذاكرة....
أنا صاحب ذات تم اكتشافها في الرحيل...
أنا من كان بين الإشارة والكلام..
هامش هنا وجذر هناك..
وأنا من عاش بين صورة الأب ومعجم البلدان..
والأشقاء الثلاث..
فلتأخذني يا أبي..
خذني يا يعقوب..
من الوريد إلى الوريد..
فمعك عرفت بدايات الحب واتزان الأرض..
خذني...
لنجمع يوم اللقاء.. كل الُنسُك
كل التراتيل..
كل صلوات الأرض..
كل الموشحات..
لنتبادل بها أنينًا وحنينًا...
وتراني كما عودتني حور عين وصاحبة الكمال..
أبي...
بداية لا تنتهي بوجودي الحر..
وزوال لا يزول..
فأنت الفرق بيني... وبيني..
وأنت الفرق بين الإصبع والكفين..

وهذه رسائلي إليك يا أبي..
رسائل يمام..
أرسلتها إليك حجرًا حجرًا يطير عليك حجلًا وخجلاُ..
خجلًا من حضوري وغيابي..
وحجلًا لصورتك على سواحل برمنجهام..
فلتأخذني إليك بحق دم ابن يعقوب..
بحق من رأى الأحد عشر كوكبا..
وبحق الأحد عشر كوكبا..
وكفي وكفي

كتابة: إيمي نور
الجريدة الرسمية