رئيس التحرير
عصام كامل

للأزهر والخارجية.. «أين تقع أفريقيا في الخارطة؟!»


مجرد سؤال.. يشي عن الموقف والأوضاع المزرية التي تعيشها العلاقات المصرية – الأفريقية.. الأخطاء ليست جديدة، ولا طارئة.. بل تتكرر منذ عقود.. وبالتحديد منذ عهد مبارك..


كلنا يعرف ماذا فعل عبد الناصر، رحمه الله، في القارة السمراء.. وشعوبها.. وكيف بدل حالهم للأفضل.. واستعان بالدول الأفريقية كظهير سياسي داعم ضد التوغل والتغول الإسرائيلي.. وبالفعل ساندته تلك الدول في المنظمات الدولية، لا سيما الأمم المتحدة.
الزعيم الراحل استثمر إمكانيات المخابرات المصرية، والفورة الثورية الشعبية في مصر والوطن العربي، لخلق حالة من المد الثوري والتحرري في القارة، حتى اعتبروه "أبا التحرر الأفريقي".

النكسة في 1967 كانت القاصمة للمد المصري في أفريقيا.. وإيذانا بانطلاقة إسرائيلية لتحتل "تل أبيب" كل سنتيمتر انسحبت منه مصر "دبلوماسيا".. وبينما كانت القاهرة تنكفئ على نفسها، انتعشت إسرائيل على حسابها.. وتسللت نحو إثيوبيا والسودان وأوغندا وغيرها.

وتجلى ذلك بوضوح في التخلي الأفريقي عن مصر في المنظمات الدولية.. وبينما كانت مصر تساند "جبهة التحرير الأريترية" للانفصال عن إثيوبيا، في ضربة مروعة لمقر منظمة الوحدة الأفريقية، والدولة الوحيدة في القارة التي لم يمكث الاحتلال الاستعماري على أرضها أكثر من سني الحرب العالمية الثانية.. فصارت دولة حبيسة دون منفذ على البحر الأحمر، بعد إعلان قيام الدولة الإريترية.

وسارعت "تل أبيب" بالرد بتعضيد العلاقات مع القيادة الأريترية، ونقل يهود الفلاشا إلى إسرائيل في صفقة مع الرئيس السوداني، آنذاك، جعفر نميري.. تلاها لضربة الكبرى بانفصال جنوب السودان.. مما ترك الظهير الجنوبي لمصر في مهب الريح.

السادات، رحمه الله، نجح في استعادة الأرض المصرية في القارة السوداء بعد انتصار أكتوبر العظيم.. ومن جديد نشطت الدبلوماسية المصرية في اتجاه الجنوب، بفضل العقلية الفذة والبصيرة النافذة للمفكر السياسي العظيم الدكتور بطرس غالي، الذي كافأه السادات بمنصب وزير الدولة للشئون الخارجية.. وهي مكافأة أقل كثيرا من الإنجازات التي حققها الرجل العملاق.

عهد مبارك كان بقعة سوداء في تاريخ العلاقات مع أفريقيا.. تشاءم الرجل بعد محاولة اغتياله في أديس أبابا فتقوقع على نفسه.. في رد فعل غريب.. من رئيس مصري تولى رئاسة المنظمة المصرية مرتين في حدث تاريخي.. أدى ذلك لكوارث حلت على أدمغة المصريين، وتهددهم حاليا في شريان الحياة "النيل".. لا سامح الله من كان السبب.

باختصار شديد.. الخارجية المصرية ورجالها يرتكبون أفدح الأخطاء التي تترك جروحا لا تندمل في القارة الأفريقية.. مثلا يتجاهلون استخدام القوة المصرية الناعمة؛ من فنون، ورياضات... إلخ.. لدعم العلاقات.. بل تسهم الفنون المصرية، مثل الأفلام والمسلسلات، في تدهور تلك العلاقات، حينما تظهر الأفارقة على أنهم "برابرة"، و"متخلفون عقليا"، أو من "آكلي لحوم البشر".. و"زنوج"، و"بوابين".. ويصل الأمر لحد عدم معرفة سفراء وقيادات في الدولة المصرية وفنانين ورياضيين للأسماء الجديدة للدول الأفريقية، بديلة عن الأسماء التي أطلقت عليها في الحقبة الاستعمارية، مثل "ساحل العاج" أصبحت "كوت ديفوار".. و"فولتا العليا" صارت "بوكينا فاسو".. و"الحبشة" تحولت إلى "إثيوبيا".. ولم يحفظوا تلك الأسماء إلا بعد فترة طويلة، تألم خلالها الأفارقة طويلا، وأسفرت عن مشاكل لا حصر لها مع الشعوب والمسئولين في الجنوب.

ولا يغيب عن الأذهان الإحن والمشاحنات التي ما زالت تشوب مباريات الكرة، واللقاءات الرياضية مع الأشقاء السمر.

آخر الأخطاء التي يرتكبها الكبار، ما أقدمت عليه الخارجية في مصر من تقديم عرض للحكومة الغانية بالاستعداد لإرسال أطباء لسد العجز الذي نجم عن إضراب الأطباء هناك.. مع ما يسببه ذلك من توتر في نفوس الأطباء الغانيين، وربما الشعب نفسه هناك.. فحكومتنا "العبقرية" تراهن على الحكومة الغانية، التي قد تتغير في لحظة، وتخسر فئة كبيرة من الشعب!

أما عن مؤسسة الأزهر، فسيحسب لله شيوخه على تركهم الأفارقة يواجهون المجاعات، والدكتاتوريات، والمؤامرات، والحروب الأهلية، والأخطر غزوات التبشير وحدهم، دون نصير، ولا معين.. مع ما يمتلكه الأزهر من كفاءات، وعلاقات، ومكانة هائلة في العالم بأكمله، فضلا عن الدول الإسلامية.

زميل من أوغندا.. يعمل مترجما في القاهرة ويدرس اللغة العربية، وحفظ القرآن بمجهود ذاتي مشرف.. قال لي: "غياب الشيخ أحمد الطيب الإمام الأكبر عن أزمات القارة، وتجاهله لهموم شعوبها، يحز في نفوسنا، ويؤلمنا كثيرا".. وثمة أمثلة كثيرة، ليس آخرها مذابح أفريقيا التي أزهقت أثناءها دماء آلاف المسلمين.
ما زلت أوجه سؤالي لأصحاب الشأن في الكنانة: "أين تقع أفريقيا في الخارطة"؟!
الجريدة الرسمية