رئيس التحرير
عصام كامل

مائة كيلو أرز للاجئين على الحدود الإيطالية الفرنسية


ولأن الرابع عشر من يونيو لعام 2015، يوافق يوم الأحد فشيء من رياضة المشي بدا مفيدا، وبينما أنا في لحظة تأمل لجبل يحتضن البحر ويعانق الطبيعة الخلابة على طريق الفيلات، كانت سيدة شابة أنيقة تدفع بعربة طفلها الرضيع وتجاهد في حمل مشتروات ثقيلة، لم أتردد لحظة في مساعدتها، وبينما نتجه نحو فيلتها الجميلة كان سؤال يلح علىَّ عن كمية الأرز الكبيرة التي اشترتها.

على باب الفيلا شكرتني ودعتني لفنجان قهوة، وفي حديقتها المنسقة جلست أنتظر فنجاني وإجابة سؤالي.. بادرتني سيارتي تعطلت واضطررت لصعود الجبل بهذه المشتروات.. هل الأرز عليه تخفيض لتشتري كل هذه الكمية؟.. لا هي لجمعية خيرية أساهم فيها، سنطهو مائة كيلو أرز للاجئين على الحدود.. وكان باب المخزن الصغير قرب الجراج مفتوحا، فأشارت إليه، وسنحمل معنا أيضا هذه المعلبات والعصائر والألبان للأطفال.. وهل جمعيتكم الوحيدة التي تساعدهم.. لا لحسن الحظ هناك جمعيات كثيرة نتبادل رعايتهم.. ودعتها وانصرفت..

كانت أخبارهم تغرق الدنيا.. مائتا مهاجر غير شرعي وصلوا إلى مدينة إيطاليا بالبحر، بينهم عدد لا بأس به من النساء والأطفال من أفريقيا، ومعظمهم من السودان.. ومنعهم البوليس الفرنسي من المرور إلى أراضي فرنسا فظلوا محتجزين على الحدود على شاطئ البحر، ثم انتقل النساء والأطفال إلى محطة مدينة فانتيميليا الإيطالية ليحتموا بها تحت رعاية غذائية وطبية من الجمعيات الخيرية المختلفة..

في حوار بين الرئيس هولاند رئيس فرنسا، وماتيو رينزي رئيس وزراء إيطاليا، نفى كل منهما وجود خلاف بينهما حول هذا الأمر، ولكن اللاجئين على أرض إيطاليا وليس لديها استعداد لتتحملهم وحدها، وفرنسا ترفض استقبالهم فقد أصبحت كامل العدد وتكتظ بأمثالهم.. وأصبح هؤلاء البشر الذين ألقت بهم سفينة الأقدار إلى الحدود عالقين كخرقة بالية، يريد كل طرف أن يزيحها على الآخر، تمر الأيام بلا حلول في انتظار القبول الإيطالي أو السماح الفرنسي..

في برنامج شهير بفرنسا اسمه مراسل خاص، عرض في إحدى حلقاته تفاصيل استقبال الهاربين من سوريا إلى اليونان وأعدادهم التي ملأت أماكن الإغاثة؛ حتى تم وضعهم في أماكن لا ترتقي إلى أبسط شروط الحياة الآدمية.. من بينهم شاب وزوجته وأولاده الذين يسألوه كل ساعة عما إن كانوا سيعودون إلى مدرستهم في سوريا، والأب يطمئنهم أنهم سيعودون رغم أنه لا يرى للعودة طريقا بعد أن مزق رفاقه القارب الذي حملهم بالبحر وهم يصرخون لا عودة.. فالعودة تعني الموت، والبقاء كلاجئين مصير مجهول لكنه أهون من الموت، حتى إن تشابهت بينهما الأحاسيس.

في غربتنا بعيدا عن مصر، يراودنا حلم العودة، أما اللاجئ فمحروم من الحلم.. اللهم احفظ مصر فإن قدر لنا ألا نعود إليها أحياء، فلا تحرمنا من أن يوارينا ترابها.
الجريدة الرسمية