رئيس التحرير
عصام كامل

اقفلوا شركات الصرافة وأريحونا



لماذا لا نلغى شركات الصرافة في مصر؟.. سؤال قد يبدو صادما للكثيرين شأنه شأن "تابوهات" كثيرة صنعها السادات بـ"انفتاحه" ومبارك بـ "فساده" دون أن يفكر أحد في الاقتراب منها، مع أن بقاءها أحد أسباب تدمير اقتصاد هذا البلد.


لقد أهينت العملة الوطنية المصرية و"تمرمغت" في التراب بسبب سياسات فاسدة سابقة، وأظن أن تثبيت سعر الجنيه أمام الدولار وكل العملات العربية والأجنبية الأخرى أصبح قضية أمن قومى، ولا مجال لترك حفنة من الأشخاص يعبثون في أمن مصر، ويتحكمون ويتلاعبون ويضاربون ويتسببون في تآكل الاحتياطى النقدى من العملات الأجنبية للبلد.. حان وقت أن ندوس على كل المحاذير، ونجعل للجنيه المصرى سعرا موحدا ثابتا لا يتحرك، فقط في البنوك المصرية وليس في أي مكان آخر.

لا يجب على هشام رامز محافظ البنك المركزى أن يضحك على الناس بأسعار الدولار التي نقرأها على شاشات الفضائيات في البنوك، لأنه لا يوجد أي مصرى عاقل سيذهب إلى البنك لتغيير دولار بينما توجد المئات من شركات الصرافة على مقربة منه تبيعه بفارق 80 قرشا.

لقد تم تعويم الجنيه في فترة حكم المخلوع الفاسد مبارك، وكان يفترض أن يؤدى هذا الإجراء إلى توحيد السعر في البنوك وشركات الصرافة، لكن زادت الفجوة بين السعرين حتى وصلنا إلى ما نحن فيه الآن.

في دولة الإمارات عملت ثمانى سنوات ولم أر سعر الدولار ارتفع أمام الدرهم بمقدار فلس واحد طوال هذه المدة، لأنها دولة متماسكة الأركان تحكم قبضتها على شركات تحويل الأموال العاملة فيها، ولا مكان فيها للعبث باقتصاد الدولة، بينما في مصر مازلنا نترك الحبل على الغارب لأمثال هؤلاء الذين نهبوا البلد.

أروع ما تحقق في مصر منذ يناير 2011 - من وجهة نظرى - هو تطبيق الحدين الأدنى والأقصى للأجور بعد أن أصبحت مصر في حالة أشبه بما قبل يوليو 52، حفنة باشوات يملكون المال والأرض والجاه والسلطان، وشعب يعمل كأجير بالسخرة في أرض الباشوات، وهكذا كانت مصر منذ يناير 2011 - وللأسف مازالت - مكونة من شلة انتهازيين أصحاب مصانع سلع استهلاكية تافهة "شيكولاتة ولبان وبطاطس مقلية" ليس لهم أي دور وطنى بل يضرون اقتصاد البلد، وحققوا ثروات بالمليارات من أراض حصلوا عليها بملاليم وامتيازات وتسهيلات منحت لهم دون باقى المصريين، وعندما حان وقت التضحية لإعادة إعمار بلادهم وتمويل صندوق "تحيا مصر" خذلوها وأثبتوا أنهم يعملون لمصالحهم وليس لمصالح بلادهم.

لقد أوقف البنك المركزى في منتصف 2010 تراخيص إنشاء شركات صرافة جديدة، ولكنه لم يوقف طوفان زيادة فروع الشركات القائمة، نظير مبلغ تافه "مليون جنيه" كتأمين عن كل فرع، والنتيجة أننا أصبح لدينا 3000 "دكان" ملاكها ليسوا فوق مستوى الشبهات.

وللأسف لا يدفع ثمن ارتفاع قيمة الدولار سوى الغلابة والمطحونين الذين يبيعون ما وراءهم وما خلفهم لتأدية مناسك الحج والعمرة، لأنهم يشترون 90 % من تكلفة أدائهم للمناسك من شركات الصرافة بسعر "السوق السوداء"، بينما الـ 10% الباقية من البنوك.

حان وقت إظهار قبضة الدولة، وكفى هؤلاء ثراء، بعد أن تحصلوا على مليارات من العملات الصعبة التي كان من المفترض أن تذهب إلى خزينة الدولة وليس إلى خزينة حفنة من السماسرة الذين أصبحوا يمتلكون فروعا أكثر من الليمون وهم جالسون في منازلهم دون أي مجهود من بيزنس الهواء والفهلوة.

سيملأ الانتهازيون وأصحاب المصالح الدنيا صراخا وعويلا إذا صدر قرار وطنى بإغلاق شركات الصرافة وسيزعمون أنه سيؤثر على مناخ الاستثمار و"الاستئثار" و"الاستمصار" وغيرها من المسميات الجوفاء التي يطلقونها كستار للدفاع عن مصالحهم، ولكن "مصر الآن ليست في حاجة إلى أنصاف الحلول وإنما إلى القرارات الراديكالية التي تضع مصلحة الدولة فوق مصالح شلة من اللصوص الذين يكتنزون المليارات من قوت هذا الشعب المطحون.
الجريدة الرسمية