رئيس التحرير
عصام كامل

الحرافيش للحكومة: جاوبي عن السؤال.. قبل ما تجوّعي العيال !

فيتو

الحرافيش يكدحون.. يعملون.. في كل مرفق يوجدون.. في المصانع.. في الحقول.. في محال التجارة هم يعملون.. ورغم ذلك لا يسعدون كما يسعد “الباقون”.. المالكون.. المدراء والوزراء وكبار “الحاصدين”..

فحياة الفقراء تبدأ كما تنتهى.. يولدون عرايا لا يملكون شيئًا ويموتون كما ولدتهم أمهاتهم تاركين نفس المعاناة لأبنائهم.. ولا يستطيع أحد أن يلقى باللوم على الآباء ولا الأبناء الذين لا ذنب لهم _فى فقرهم_ سوى أنهم ولدوا في وطن لا يبالى بالضعيف المنكسر.. وحكومات تتشدق بمسئوليتها تجاه المواطن وهى في الحقيقة تتخذ منه سندًا تتوكأ عليه كى لا يقع وزراؤها من مناصبهم.
أكتب هذه المقدمة بعد أن قرأت تلك الرسالة التي جاءتنى من أحد أصدقائى الحرافيش ضمن رسائل كثيرة وصلتنى هذا الأسبوع والتي سأعرضها عليكم في السطور القادمة دون حذف أو إضافة:
عزيزى الحرفوش الكبير.. تحية لك من القلب ملؤها أمنيات بالسعادة والمحبة.. فأنا يا عزيزى واحد من أبناء مصر المحروسة.. أحبها ولا تحبني.. أرعاها ولا ترعاني.. أحميها ولا تحميني.. أذكرها وتنساني.. وهذا حالها معى وهذا حالي.
فإذا كانت مصر يا سيدى هي الحكومة فدعنى أقول لك إننى غير مصرى ولن أبالى، وإذا كانت مصر يا سيدى هي الأرض والعائلة والنيل والشجر فهذه هي معشوقتى فدعنى أصف لها حالى.
فكل حقوقها عليّ قد أخذتها دون استثناء.. رسوم استخراج شهادة ميلادى ورسوم استخراج بطاقتى الشخصية.. وفواتير الماء الذي أشربه والكهرباء المقطوعة وثمن أنبوبة الغاز ورسوم عقد قرانى واستخراج نفس الأوراق لأبنائي.. كل هذا أسدده في حينه.. وقفت على حدودها أحميها عامين من عمرى وأهلي هنا يعانون غيابى وضيق العيش دون ما كنت أحصل عليه من أجر يومى وأنا أعمل في إحدى المقاهى عقب حصولى على دبلوم التجارة.
كنت دائم التردد على مكتب البريد أرسل فاكسات لمكاتب الوزراء أتوسل فرصة لوظيفة حكومية.. بل كنت أستجديها من كل مرشح للبرلمان يطرق باب عائلتى كى يحصل على أصواتها حتى بلغت من العمر الثلاثين دون جدوى.
اضطررت لترك العمل في المقاهى وتعلمت صنعة الحدادة بعد أن بدأت أعمل في إحدى الورش.. العوّز جعلنى أتقن الصنعة حتى أصبحت من روادها المميزين.
تزوجت في الخامسة والثلاثين وأنجبت وأكرمنى الله بدخل يومى ادخرت منه ما مكننى من تأجير مكان وافتتاح ورشة خاصة بى وضعت فيها كل ما أملك، بالإضافة إلى قرض من إحدى جمعيات الإقراض قيمته “45 ألف جنيه” تسدد بواقع ألف ومائتى جنيه شهريًا، بضمان شيكات على بياض وقعت عليها أنا وزوجتى التي ضمنتنى، حسب شروط الجمعية.
حصلت على القرض وكلى ثقة أننى سأسدد القسط الشهرى من خلال دخل الورشة فهو أكثر من ذلك بكثير، لذا كانت تملأنى الثقة عندما وافقت أن تكون زوجتى هي الضامن، وكذلك هي لم تشعر بأى قلق لعلمها بدخلى من الورشة.
كنت أعمل فيه بكل جد وأسدد أقساط القرض وأنفق باقى دخلى على أسرتى أملًا منى أن ينتهى القرض فيكون القسط بمثابة مبلغ سأوفره كل شهر “لتوسيع” نشاطي.
كل هذا باجتهاد منى دون أي مساعدة من تلك الحكومة التي تحرص على تحصيل فواتير المرافق التي أستخدمها دون أن تشغل بالها بى ولو للحظة وأظن أن هذا هو حالها مع السواد الأعظم من حرافيش هذا الوطن.. حتى ثار عليها الشعب فغادرت إلى حيث أتت وظل نصفها في السجون والنصف الآخر يعانى من الفضيحة والمنع من السفر أو العودة لمن تمكن من الهرب، وكان هذا في عام 2011.
مر عامان كنت أسدد خلالهما قسط القرض وكانت الـ”عيشة معدن” وإذا بحادثة تقع لى تتسبب في عجز نصفى ألم بي، فلم أعد أقوى على العمل فباتت الورشة لا تأتى بما كانت تحصده من رزق حتى أغلقتها رغمًا عنى بعد أن صار إيجارها عبئًا بجوار القرض.. بعت ما تبقى لى من “عدة الشغل” وأنهيت ديونى كلها في السوق وسددت باقى القرض وحمدت الله وجلست في بيتى أناجيه وأحتسبه وأشكو له حالى مع وطن تحكمه حكومات لا هم لها سوى الحفاظ على مقاعدها ليس أكثر.
رحت أبحث لى عن معاش كما نصحنى الناصحون وحصلت عليه بالفعل ليس مجاملة من أحد، ولكن لأنى تنطبق عليّ مواصفات أهل المعاش من العجزة أولياء أمور المساكين أبنائى الذين لا ذنب لهم في عجزى ولا في كونى أنجبتهم في وطن لا يبالى بهم ولا بأمثالهم من الحرافيش.
ثلاثمائة جنيه ياسيدى هي ذاك المعاش الرأفة من القائمين على حكم وطن حباه الله بالكثير.. ويضاف إليها مائة وأربعون جنيهًا كمعونة لأبنائى التلاميذ خلال فترة الدراسة.. يعنى كل الحكاية “440 جنيهًا فقط لا غير” فهل هكذا تكون حياة المواطن العاجز في وطن حُر يحترم مواطنيه ؟!
ليست عندى إجابة فهل يا سيدى لديك لى إجابات تشفى قهرى ؟!.. لا أظن
لذلك أنا أكتب رسالتى هذه موجهة للحكومة لعلى أجد عندها إجابة تشفينى.. في حين أننى لولا عمل زوجتى في إحدى دور الحضانة كدادة لما استطعنا العيش.. فزوجتى التي كانت “متستتة” أصبحت “دادة”.. فقل للحكومة عنى يا سيدى أن تجيب عن السؤال.. قبل أن تجوع العيال !
وفى النهاية لك منى التحية والسلام ورحمة الله وبركاته!
الجريدة الرسمية