رئيس التحرير
عصام كامل

الواد محروس بتاع المرور


مرور فيصل فاقت سمعته في تعذيب البشر كل الحدود، الداخل مفقود والخارج منه مولود، منذ يومين دفعنى القدر إلى هناك لتجديد رخصتى، وسط دعوات أصدقائى بأن أنجح في إنجاز مهمتى في ثلاثة أيام، وأن يخرجنى الله منه سالما معافى، اعتبرت نفسى في "إجازة حرب" لمدة 3 أيام، وقررت أن أخوض التجربة بدون واسطة أو محسوبية باعتبارى مواطنا وليس صحفيا على رأسه ريشة.


قبل الموعد سألت صديقى طلعت إسماعيل عن تجربته المماثلة مع العذاب في نفس المرور قبل شهر، فمنحنى عددا من النصائح الاسترشادية منها أن أتجنب "العيال السماسرة" وأن أذهب "من النجمة".

استيقظت قبل الفجر وزودتنى زوجتى بالسندوتشات وزجاجة المياه المعدنية وترموس الشاى مع بعض نصائح أم اللمبى عندما كان ذاهبا لامتحان محو الأمية، كنت كالمتجه إلى المعتقل لأقضى فيه أياما، أو كمن يذهب إلى مهمة طويلة لجمع الدودة وجنى القطن، في الطريق المظلم أصابنى الرعب من عمليات التثبيت والسطو المسلح التي يتعرض لها سكان منطقتى كل يوم، لكن الله سلم ووصلت في تمام السادسة، كانت خيوط الليل تسحب ستائرها وبدأ ضوء النهار يتكشف، وأخذت دوري في طابور فحص السيارات الشهير، كان أمامى 11 سيارة وخلفى طابور مزدوج بدأ يتمدد ويتوغل وينتشر حتى وصل إلى مسجد نصر الدين بشارع الهرم عند الثامنة صباحا.

فور وصولى جاءنى وأنا جالس في سيارتى "الواد محروس بتاع الطابور" يقول لى "الشاى بتاعنا ياباشا.. عشًه جنيه"، وعلمت بعد ذلك أنه من بلطجية تنظيم الطابور، وبعده جاء من يسألنى سؤالا استنكاريا وكأنه ضابط في المرور.. معاك ورق التجديد؟، ووقعت في أول فخ واشتريت الأوراق منه، حتى فوجئت بجارى في الطابور يسألنى "اشتريت الورق بكام"؟ وعندما سمع الرقم قال لى "ضحك عليك، وباعهولك بـ 3 أضعاف تمنه جوه في المرور، ونصحنى جار آخر في الطابور بتحضير 30 جنيها 3 ورقات بعشرة في جيبى لزوم إكرامية للباشوات الفاحصين أثناء إنجاز المهمة.

عند الثامنة والنصف بدأت مواتير السيارات في الدوران وتحول السكون والصمت إلى صخب وضجيج، فقد وصل الواد محروس "بتاع الفحص"، لم أكن أملك طفاية حريق أو شنطة إسعاف أو مثلث عاكس، وتم إبلاغى بأحد أمرين، إما الشراء أو التسليك بدفع ثلث قيمة هذه الأشياء الثلاثة علشان أنجز وأخلص.

أنجزت المهمة الأولى وهى الفحص ودفع كل الاستحقاقات والتأمين الإجبارى وخلافه عند التاسعة صباحا، وبدأت المعركة الثانية وهى شهادة المخالفات، كان عليا إما أن أقف في طابور طويل لكى أحصل على جواب لنيابة المرور في نفس المنطقة، أو التسليك للإنجاز السريع.

ذهبت إلى نيابة المرور لأسدد مخالفات لا أعلم متى وأين حصلت عليها، على بابها تسمع صوت "الواد محروس برضو" وهو يقول لك "شهادة المخالفات في 5 دقائق بـ 100 جنيه يا باشا"، وعندما تستكتر المبلغ يقول لك "ياباشا إحنا بنأكل الناس اللى جوه دى كلها".

كانت هناك 4 طوابير واحد للتسجيل في دفع المخالفات، والثانى للحصول على ورقة دفع المخالفات، والثالث لدفع قيمة المخالفات، والرابع لاستلام شهادة دفع المخالفات، في كل طابور لا تقل فترة وقوفك وانتظارك عن ساعة، لكن الواد محروس بتاع الـ100 جنيه هو سيد الموقف لأنه لا ينتظر ويمر على هذه المراحل في ثوان معدودة.

العذاب الحقيقى تراه في نيابة المرور التي تتبع للأسف وزارة العدل، فيها يغيب العدل تماما، شعارها إدفع المخالفات واتظلم، الواد محروس بتاع الشِبًاك شغال الله ينور، كل 5 دقائق يأستك "أي يضع أستيك" على رزم الخمسات والعشرات التي يأخذها كإتاوة عن كل رأس، وياليتنى لم استمع لنصيحة صديقى هذه المرة، وياليتنى دفعت للواد محروس 100 جنيه واسترحت من عذاب 3 ساعات ونصف قضيتها في 4 طوابير للحصول على شهادة المخالفات.

بعد علقة النيابة، كان الوقت قد قفز، وكان من المستحيل أن أنجز أي شيء، لكننى فعلتها بعد أن عرفت طريقى لـ "الواد محروس بتاع التخليص" الذي دخل بالأوراق وخرج بعد 5 دقائق ليسلمنى الرخصة الجديدة.
الجريدة الرسمية