رئيس التحرير
عصام كامل

زينب مهدي.. والحنين إلى "الانتحار"


بداية.. العزاء واجب حتى ولو كان انتحارا بطريقة "مختارة"، ورغبة ملحة في خلع كل نفس في الحياة من روح أراد الله لها أن تستمر وتحيا، لكنها اختارت الوسيلة.


قبل أن تحكم على المجتمع، وتصفه بالسواد والانغلاق والتركيبات المعقدة المعروفة، وقبل أن تبدى رأيك في طريقة انتحار زينب مهدى الناشطة الإسلامية - هكذا يجب أن توصف بدقة- هناك دلالات للانتحار، ووقائع لا يجب أن تغفلها للحكم، واستدعاء الحزن والدموع.

التركيبة النفسية التي كانت عليها الفتاة وقد بلغت العشرين، ربما لم تكن تصلح لمجتمع شرقى، تظهر عيوبه قليلا، لكن المدفون أخطر وأعمق من الظاهر، وتتكشف خيوط أمراضه مع تجارب عمرية مختلفة.. ربما تكون زينب واحدة من فتيات كثيرات تمتعن بخلفية إسلامية عبر مراحل عمرية، في النشأة والدراسة والعمل السياسي، ثم الاختلاف مع كل هذا مرة واحدة، والخروج منه والابتعاد إلى أقصى اليسار كمن خرج من حمام ساخن لآخر غاص في قالب برد مليء بالثلج.

انتمت زينب في وقت لجماعة الإخوان، ولكنها صدمت في كثير مما رأته، وانضمت مع آخرين خرجوا من الإخوان إلى الحملة الرئاسية للدكتور "عبد المنعم أبو الفتوح"، وتكشف لها وهما سبق وأن وجدته عند الإخوان. كثيرون من أصدقاء زينب يعرفون هذا ويعلنون عنه بناءً على ما كانت تعانيه حين أرادت أن تحضر دروس دين في المسجد مع مجموعة من أصدقائها، لكنهم رفضوا وابتعدوا عنها حين عرفوا أنها قد خلعت الحجاب. بعضهم كان يعلنها صراحة على صفحتها بأنها كافرة. الجرح يكبر والقلب ينزف مع استقبال سهام التكفير من أصدقاء الطفولة، كيف لمثل هذا القلب أن يعيش وسط هؤلاء ؟ كان لابد لها أن تنتحر.

يقول أحد أصدقائها عقب انتحارها " اشتكت من رد فعل أصحابها لما خلعت الحجاب واشتكت لي من كلمة كافرة اللي اتقالت لها مليون مرة مع كل صورة كانت بتنزلها لنفسها، وكانت بتقول عن حاجات كتير إنها مش مقتنعة بيها كانت بتقولي عايزة أقتنع مش مقتنعة".. هل يكفى هذا الاتهام بالكفر كى نحكم على جماعة بأنها وراء انتحار نفسي لزينب؟ 

الموجع في تفاصيل الانتحار.. طريقة الوداع.. مؤلمة إلى أبعد مدى.. زينب أعدمت نفسها وبالشنق.. منظمات حقوق الإنسان الدولية نفسها تطالب بإلغاء عقوبة الإعدام.. لكنها اختارتها بمحض إرادتها.. لا أتصور الطريقة التي قادتها للتفكير في هذه الوسيلة.. وكيف أعدتها وخططت ونفذت في صمت مريب. لماذا أرادت أن تتألم وهى تموت ؟ ألم تكن هناك طرق أسهل في الوداع وأقل ألما؟. أين كان الأهل ؟ لماذا لم يقترب أحد من زينب وهم أصبحوا كثيرين بعد انتحارها ؟

أخشى أن تكون زينب هي البداية لتخلص جيلا من أي ارتباط دنيوى، خصوصا من هم في نفس عمر زينب وخلفيته إسلامية، هؤلاء تعرضوا لصدمات متوالية ولم يجدوا الإجابة أو الدعم عند أحد، وحين يتمردون في انتماء سياسي آخر تكون عقوبته الهجر والقسوة والاضطهاد المعنوى.
الجريدة الرسمية