رئيس التحرير
عصام كامل

من تقبيل اللحى إلى تقبيل الأيادي!


"قبلت يد وزير النقل لتوفير ميزانية الكوبري الجديد".. هذا هو عنوان الخبر الذي نشرته صحيفة المساء في عدد سابق هذا الأسبوع! أما الخبر فيقول:


المستشار مجدي البتيتي، محافظ بني سويف، قال إنه اضطر لتقبيل يد وزير النقل حتى يوفر اعتمادات إنشاء كوبري جديد للمحافظة، وقال: تركت مكاني في مجلس المحافظين وذهبت إلى وزيري الأوقاف والصحة، وهما من بني سويف وطلبت منهما مساندتي عند وزير النقل لإنهاء كوبري بني سويف الجديد، وترك الوزيران مكانهما وعند وصولنا إلى مكان وزير النقل قلت له (أبوس أيديك) عايز الدفعة الأولى من الميزانية لكوبري بني سويف، وأخذت يده وقبلتها!!

انتهى الخبر لكن المصيبة لم تنتهِ، وظني أنها لن تنتهي والسبب بسيط للغاية أن بعض المسئولين في هذا البلد لم يتخلصوا بعد من الصراصير التي تجري في عقولهم، ولم يستوعبوا بعد أن الوطن يجتاز مرحلة دقيقة وصعبة لا ينفع معها هذا الترهل في الفكر والإدارة وتحمل المسئولية!

محافظ بني سويف مستشار جليل، وربما حرصه على إنجاز الكوبري الجديد جعله يسقط عن نفسه هيبة وكرامة المحافظ، فيطلب دعما معنويا من وزيرين في الحكومة للتوسط لدى وزير النقل الذي تشهد فترته كوارث بالجملة في القطارات والكباري والطرق، يستحق معها أن يبادر ويقدم استقالته حفظا لماء الوجه.. لكن يبدو أن وزراء النقل في مصر من سنوات طويلة ليس لديهم أدنى علاقة بالنقل من الأساس.. يعني وزراء على ما تفرج!!

ولأن المحافظ جاء من منصة القضاء للعمل التنفيذي، ولا يدري ألاعيب الوزراء ولا يعرف مداخل ومخارج الحكاية فتصرف بحسن نية وأخذ معه واسطة وزارية من مواليد بني سويف؛ للتوسل لوزير النقل الهمام للإفراج عن الميزانية الخاصة بالكوبري الجديد، ويبدو أن الوزير نسي أو تناسى أن الموازنة هي أموال الدولة ومرصود بها اعتماد إنشاء الكوبري الجديد! 

الوزير تصور أنه سيدفع من ماله الخاص، لذلك قرر المماطلة واستملح أن يتحايل عليه المحافظ ويقول له (والنبي ربنا يخليك يا معالي الوزير عايز الفلوس أعمل بيها الكوبري)!! لكن المسألة لم تقف عند هذا الحد فقط، فقرر المحافظ أن يقبل يد الوزير وقد فعلها!

أعتب بشدة على المحافظ المستشار الجليل، فلو كنت مكانه ما فعلتها ولو تركت الوظيفة لأنه يكرس صورة قبيحة من صور الفساد الإداري، فإذا كان المحافظ يفعل ذلك.. ماذا يفعل المواطن أو المقاول.. يبوس حذاء الوزير مثلا!! 

طبعا مسخرة، وكان يتوجب على المحافظ أن يخاطب مباشرة الوزير المسئول عنه اللواء عادل لبيب، وزير التنمية المحلية، الغارقة في الفساد حتى الأنوف، وإن لم يستجب الوزير يخاطب رئيس الوزراء، وإن لم يستطع يتقدم باستقالة مسببة يوضح فيها تقصير وزير النقل الذي لم يقدم أمارة واحدة على أنه يعمل وينجز.. لدرجة أنني لم أقرأ له تصريحا يعزي فيه أهالي ضحايا حوادث الطرق والقطارات التي تحصد الأرواح كل يوم!!

شيء مخجل أن أقرأ خبرا بهذا المعنى، وشيء محزن ألا يتم تكذيب الخبر، وشيء مؤلم أن يكون هناك محافظ يقبل يد وزير ليقوم الأخير بعمله، وشيء محبط أن يحدث ذلك في حكومة محلب ولا يتم اتخاذ إجراء ضد الوزير الهمام.

من لا يستطيع تحمل المسئولية يقعد في بيته أكرم له، ويترك مكانه لغيره ينجز ويعمل، وأظن أنه كفاية كده محافظين من القضاة لأنهم ليس لديهم خبرة تعقيدات العمل الإداري وبيروقراطية الدولة العميقة التي رسخت مفاهيم الواسطة واحترام الوظيفة الأعلى، ولو لم تكن بها كفاءة في مجال عملها الجديد!

الحكاية تحتاج مراجعة دقيقة، ومصر الجديدة لن يدفعها للأمام غير سيادة القانون واحترام قيمة العمل ومواجهة المشاكل بالقانون على الجميع الوزير والخفير، وما بينهما مهما علا شأنهم وارتفع صيتهم وصوتهم لأن تقبيل اللحى وموائد الطعام والشراب وكاميرات التصوير لم يعد لها معنى، ولأننا لم نأخذ الأمور بالجد طل علينا تقبيل الأيادي بين المسئولين، وكان أهون على المحافظ البحث عن كارت توصية للوزير.. طبعا هو ده اللي ناقص!! 

مازلت أشعر بالخجل مما فعله المحافظ، وأشعر بالغيظ أن أحدا لم يحاسب الوزير، وأنه ما زال يجلس على الكرسي الوثير.
الجريدة الرسمية