رئيس التحرير
عصام كامل

متشكرين يا ريِّس!


عندما قامت ثورة يونيو، وهى بالمُناسبة ثورة حقيقية شعبية، لا انقلاب عسكري كما يقول المخابيل، الذين اعتقدوا أن (السيسي) والجيش قاموا باستدعاء الجنود والضباط من ثكناتهم، وألبسوهم ثياب كهول ورجال ونساء وكمان أطفال، علشان يضحكوا علينا ويقولوا إنها ثورة شعبية، أقول عندما اندلعت الثورة، كان هدف المُشاركين فيها من ملايين المصريين، هو الإطاحة بنظام حُكم الإخوان، ومندوبهم البصمجى في قصر الرئاسة، الذي لم يعرف أبدًا الفارق بين الألف وكوز الذُرة سياسيًا، وإنما كان يكتفى بتنفيذ الأوامر والتعليمات القادمة له من مكتب الإرشاد فحسب، وكان المجهود الوحيد الذي يبذله في حياته، هو أن يبصم على القرارات القادمة من المُرشد و(الشاطر)، وبعدين يقعد يهلفط (كأنه رئيس بجد) في خطاب ست سبع ساعات من غير ما يقول حاجة مُفيدة بالعكس كُل كلامه إنجليزية مُتخلِّفة أو عربية وضيعة زى الحارة المزنوقة، ليحق لنا تسميته بأول رئيس مدنى مُنتخب مزنوق!


مُعظم المصريين لم يكونوا عالمين باسم المستشار (عدلي منصور)، لو سألتهم عن اسم رئيس المحكمة الدستورية العُليا، لكانت إجابة تسعين بالمائة منهم أنهم لا يعرفونه، وهذا أمر طبيعى تمامًا، كان هدفهم الإطاحة بالرئيس البصمجى والنظام الذي يتبعه هذا اللي قال إيه رئيس، وقد كان، ولم يستهدف أحدهم أو مُعظمهم الإتيان بـ(عدلي منصور) رئيسًا لمصر، لكن ما حدث ـكما تعرفون أكثر منى طبعًاـ هو أن الجيش عندما تدخل للحفاظ على البلاد، وقام بمجهود رائع في كنس وتنضيف البلد من الإخوان وتابعهم الرئاسى، كان عليه أن يقوم بتعيين رئيس المحكمة الدستورية كرئيس مؤقت للبلاد، لحين انتهاء الفترة الانتقالية، وقد كان!

المقصود هُنا أن الناس لم تختر (عدلي منصور) رئيسًا، كانوا فقط راغبين في الإطاحة بالفاشل وكان لهم ما أرادوا، وهذا ما يعلمه (منصور) تمامًا، وما بدا عليه في كُل تصرفاته في الرئاسة، فلم يحيا الرجُل أبدًا في دور رئيس الجمهورية، ولم يلجأ للخطب الرنانة المرتجلة العبيطة كسابقه، ولم يظهر في المُناسبات عمال على بطال، كان يعلم أنه رئيس مُؤقت، لم ينتخبه أو يختره أحد، وبالتالى لم يلجأ للاستفزاز، أو الفشخرة السياسية أو الفخر بنفوذه، ولكنه آثر الصمت مُعظم الوقت، وهو يُخطط وينتظر بلهفة خروجه من هذا المنصب، ومن ثم عودته لمنصبه القضائى الذي يُحبه أكثر كما قال، وكان بعكس كُل رئيس، يسعى لمُغادرة المنصب سريعًا، لا البقاء والتخطيط للتجديد مثلما يحدُث مع أي رئيس في الدُنيا، وقد يقول قائل إن هذا هو المُفترض فعله من رئيس مؤقت، أي إن الرجل لم يبتكر جديدًا، وهو ما فعله ويُشكر عليه في الحقيقة، فسابقاه لم يفعلا المُفترض فعله منهما، فكان مصيرهما السجن والبهدلة المُستحقة!

أكتب ذلك والمستشار (عدلي منصور) يستعد لترك منصبه، وقد أدى دورًا مشكورًا، اتفقنا أو اختلفنا على بعض قراراته، ولكنه كان نموذجًا للرئيس المؤقت المُلتزم، لم ينخدع بالمنصب، ولم يظن أنه الفرعون الجديد كما ظن (مُرسى) وعاش في الدور، فهاج وماج وتحدث عن قوته وسيطرته وفرعنته والحارة المزنوقة، وسب القضاة والناس، وبدا جبانًا أكثر من أي واحد في الدُنيا وهو يسب رجال نظام مبارك (عاوزين الحرق كلهم بصراحة) بعدما كان يُشيد بهم في أيام قوتهم ويصفهم بأنهم قامات وطنية عالية (إخص بجد)!

ومن حُسن حظ رئيسنا السابق، أنه أصبح أول رئيس سابق لمصر يخرُج مُعززًا مُكرمًا من القصر الجمهورى ليعود لمنزله أو لمنصة القضاء، دونما المرور على المُعتقل مثل (محمد نجيب) أو يستقر مُباشرةً في القبر مثل (عبد الناصر) و(السادات) رحمهما الله، أو يكون مصيره السجن مثل (مبارك) و(مُرسى)، وهذا في حَد ذاته يمنحنا مؤشرًا طيبًا للمُستقبل، وربنا يستُرها على بلدنا وعلينا، ومتشكرين يا ريِّس!
الجريدة الرسمية