فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

سر الخلاف والاختلاف بين البشر

سألني أحد المريدين المٌحبين عن سر الخلاف والاختلاف بين البشر في قضية الإيمان وفي الأفكار والرؤي، ونظر كل واحد لنفسه أنه على صواب وغيره على خطأ؟ فأجبته قائلا: إعلم أيها المريد أن الدنيا دار الإختبار والإختيار، ومع وجود الأنفس والأغيار، وإختلاف العقول وتفاوت الأفهام، وتنوع التربة التي خلق منها البشر والتي منها السهل الهين اللين والصخر الجامد القاسي.. 

ولوجود أدوات الفتن والتضليل من شيطان عدو لدود حسود مُسلط ومتوعد، ونفس أمارة بالسوء تحكمها الأنوات والاهواء والغرائز والشهوات، ودنيا دار غرور مليئة بالفتن، لكل ذلك كان لا بد من وجود الخلاف والإختلاف في كل شئ حتى في القضايا الإيمانية والعقائدية.. 

 

فنجد حال البشر بين مؤمن ومصدق، وكافر ومكذب، وبين مؤمن موحد شاكر لأنعم الله تعالى، وكافر ومكذب وجاحد بنعم الله عز وجل، هذا ولإختلاف معادن الناس وتفاوت حظها من أنوار حضرة الربوبية التي أشرق الله تعالى بها على الأرواح في عالم الذر، العالم الذي أخذ الله جل جلاله فيه العهد والميثاق على أرواح بني آدم.. 

 

فأرواح أهل الإيمان حظت بأنوار التجلي فتزكت وإستنارت، وأرواح أهل الكفر والشرك والضلال حُرمت من أنوار التجلي فصاحبتها رؤية الأنفس والظلمة.. من هنا جاء الإختلاف وعدم الإلتقاء على عقيدة واحدة ورأي أو شيئ واحد، أو على شخص واحد، أو فكر واحد..  

 

وهذه ظاهرة طبيعية منذ أن وطأت أقدام البشر الأرض، ومن هنا ولأجل ذلك كان الصراع قائم دائم بين أهل الخيروأهل الشر، وفي الحقيقة أن هذه المسألة لله تعالى فيها شأن وحكمة، وهي أيضا سُنة الله تعالى في خلقه ولوجودنا في عالم الأضداد، عالم جمع ما بين الخير والشر والعلم والجهل، والحب والكراهية والنور والظلمة.. 

 

ومن هنا ولأجل ذلك لم تجتمع البشر على الإيمان بالإله الواحد عز وجل، وكذلك لم يجتمع البشر على التصديق بالرسل والأنبياء والإيمان بهم، وكذلك لم يجتمعوا على صلاح أحد من الأولياء والصالحين وعلى محبتهم.. 

هذا ولم يلتقي البشر على منهج واحد ولا دين واحد، وهناك المعتدل صاحب العقل الرشيد والفكر المستنير، وهناك من فاقد لرشده المتشدد صاحب الفكر العقيم المنحرف.. 

وهكذا في كل شؤون الحياة يقول تعالى "وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".. ويقول سبحانه "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ".