سلوكيات المصريين.. القيم قبل الموارد!
لم تعد أزمة مصر الكبرى أزمة اقتصاد أو نقص موارد كما يظن البعض، بل هي أزمة سلوكيات وقيم تهدد كيان المجتمع من جذوره. فمن يتأمل حال الشارع اليوم يكتشف أن القباحة أمست سلوكًا عامًا لا يفرق بين غني وفقير؛ قيادة السيارات فوضى، التعامل مع المرافق العامة استباحة، والمال العام أكبر ضحية لانعدام الضمير.
لقد فقدت الأسرة المصرية دورها التاريخي كأول مدرسة للسلوك. انشغلت غالبية الأسر بلقمة العيش، فترك أكثر أطفال الطبقات الفقيرة في رعاية رفاق السوء، بينما بات الهاتف المحمول المربي الأول لـ90٪ من أطفال الطبقة الوسطى، أما أبناء الفئات المرفهة فتركوا للخدم.
المدرسة تخلت عن دورها التربوي، والجامعة نسيت رسالتها الإرشادية، والإعلام انشغل بالتسلية بدل التوعية، حتى وجدنا أنفسنا أمام أجيال بلا بوصلة أخلاقية.
تخسر مصر مليارات الجنيهات سنويًا نتيجة سلوكيات من تربوا على يد الشارع أو الهاتف أو الخدم؛ فالمال يمكن تعويضه، لكن انهيار الضمير لا يُعوَّض.
من هنا أضم صوتي للدكتور حسن على أستاذ الإعلام بالدعوة إلى إعادة الاعتبار للأمومة كرسالة عظمى في بناء مصر. يجب أن تمنح الأم العاملة نصف راتب وهي معززة مكرمة، لتتفرغ لتربية الأبناء، فالأم ليست مجرد موظفة تنتج ساعات عمل، بل مصنعًا يصوغ أجيال المستقبل.
لكن، وحدها الأم لا تكفي. نحن بحاجة إلى مشروع وطني للتربية، يشارك فيه البيت، والمدرسة، والجامعة، والإعلام، ورجال الدين، بحيث يستعيد المجتمع ذاكرته الأخلاقية. نحن بحاجة إلى القدوة الصالحة قبل الشعارات، وإلى استعادة معنى المواطنة كقيمة تربوية لا كإجراء إداري.
فالسؤال الذي يجب أن نواجه به أنفسنا اليوم: كيف نعيد للمصريين أخلاق زمان؟ والإجابة تبدأ من كلمة واحدة: القدوة. فإذا صلح الراعي استقام الرعية، وإذا غاب الضمير العام فلن تُصلحه القوانين وحدها.