مريم.. من قصة شخصية إلى بيان للوحدة العربية
في أمسية مميزة بنقابة الصحفيين المصريين، دشّنت الطبعة الثالثة من كتاب: حبيبتي ابنتي سميتها مريم، لتتحول التجربة من حكاية فردية إلى لحظة عربية جامعة، تؤكد على قيمة الإنسان والإرادة كطريق للكرامة. لم يكن هذا التدشين مجرد حدث ثقافي، بل شهادة حيّة على وحدة الوجدان العربي، وتأكيد أن الكلمة الصادقة ما زالت قادرة على زرع الأمل.
الكتاب لم يُكتب كبحث أكاديمي، بل كتجربة أب وضع الحب في موضعه الأصيل: طاقة ومعجزة قادرة على إعادة تعريف الممكن. مريم لم تكن مجرد ابنة أو شخصية، بل نافذة أُضيئت لتقول: “أنا أقدر.. فقط آمنوا بي”.
القاهرة، عاصمة العرب، احتضنت التجربة بكرم استثنائي، حيث عبّر حضور الصحفيين والمفكرين والكتّاب المصريين عن أن هذه القصة الخليجية وجدت صداها العميق في مصر. لم يكن الحفل احتفاءً بكتاب بقدر ما كان عناقًا جماعيًا لتجربة إنسانية أعادت الاعتبار للمعنى، وأثبتت أن الأمة بخير ما دام نبضها الأصيل حاضرًا.
كما جاء في مقولة الإيكونوميست عام 1947: “إن أردت أن تعرف حال الأمة العربية، فانظر إلى مصر”، واليوم يمكن القول بثقة: مصر بخير، والقلوب العربية تنبض من جديد.
كلمة مريم لم تكن خطابًا تقليديًا، بل ثورة على الشفقة والتهميش، وثورة على الصورة النمطية التي تحاصر ذوي الهمم. لقد طالبت بالاعتراف لا بالامتياز، وبالشراكة لا بالعطف، لتصبح رمزًا لتحول في الوعي الجمعي العربي. هذه ليست مجرد كلمات، بل دعوة لإعادة النظر في مفاهيمنا، ورؤية الإنسان قبل الحالة، والإيمان بأن الإعاقة ليست في الجسد بل في النظرة القاصرة.
الاحتفاء لم يكن بكتاب، بل بقيمة إنسانية كبرى: أن يكون الإنسان محور الاهتمام، وأن يُستمع لصوته بعيدًا عن التصنيف والتقزيم. وأن تحتضن مصر تجربة من الخليج، فهذا يعكس عمق الوحدة العربية وتكامل التجارب في مواجهة التحديات.
هذه التجربة مهداة لكل أب وأم رفضوا الاستسلام، ولكل فتاة تنادي “أنا أقدر”، ولكل من يرى في ذوي الهمم كنزًا إنسانيًا. وهي أيضًا مهداة لمصر، وللعروبة التي أثبتت أنها ما زالت قادرة على احتضان المعنى والارتقاء به.
إلى ابنتي مريم.. شكرًا لأنك حوّلت الأبوة إلى موقف، والحب إلى بيان، والألم إلى قصيدة انتصار. لم أكتب قصتك لتكوني ملهمة فقط، بل لأحفظ حقكِ وحق من يشبهك، وأجعل صوتكم حاضرًا لا يُنسى..
إن “حبيبتي ابنتي سميتها مريم” ليس سيرة فردية، بل سيرة جماعية لكل من قاوم بصمت، ولكل من واجه نظرة المجتمع، ولكل من آمن أن الحب الصادق قادر على خلق المعجزات.. فلنكن جميعًا ممن يفتحون الأبواب للأمل، ويضيئون الطريق في عالم مثقل بالتعب.
* كاتب ومحلل سياسي بحرينى.